بخلاف المرة الأولى لاستلام الكتب المدرسية لأول مرة في الصف الأول والمتزامن مع هذه الأيام ،فإننا لا ننسى اليد التي أعطتنا الكتاب الأول والذي بسببه بدأنا القراءة، ما اتجهنا إليه وأحببناه إلى اليوم، مهما كان نوع تلك القراءة سواء كانت كتب فلسفية أو قصص أو نوتات موسيقية أو حتى خطط كروية، وكانت يد أمي ذات يوم ، هي ما جعلتني أكبر وأنا التهم الكتب وروايات الكاتبة الإنجليزية أجاثا كريستي، وحين نجحت في توجيهي للقراءة، كانت تكافئني في الإجازات الأسبوعية في الأيام المدرسية بشراء المجلات لقراءتها بعد انتهائي من مذاكرة دروسي.
ورغم استمرار معارض الكتب، وانتشار المكتبات ،إلا أن التقنية -والتي صارت شيئًا أساسيًا في حياتنا-، بدأت بتهديد الكتاب الورقي، وأصبحت الكتب الالكترونية تأخذ ما كان أساس القراءة ومتعتها حين نحمله بين أيدينا ونختار الوقت والمكان المناسبين له لأعوام طويلة، وذلك لسهولة حملها أو إيجادها، بالإضافة لأنها توفر الوقت والمال بعكس الورقية التي أصبح شراؤها مؤخراً يهدّد ميزانيتنا بصورةمبالغة فيها، ما يجعلنا نؤجله أو نلغي فكرة الشراء.
في المقابل ، ومع انتشار الأجهزة المخصصة للكتب الالكترونية التي نالت انتشارا واسعًا ما بعد عام 2015م، أصبح من الصعوبة جذب القارئ الورقي الذي وجد سبيله ميسّراً للقراءة بتطور تلك الأجهزة، خصوصاً أنها تتطور بصورة سريعة من حيث وضوح الشاشة التي اعتمدت على تقنية الحبر الإلكتروني أو الإضاءة المريحة للعين، ما يجعل تجربتها مقاربة لقراءة الكتب الورقية، وهذا أمر عزّز تنافس الشركات لإنتاج أجهزة متطورة تريح القارئ من أعباء الكتب الورقية وفي الحقيقة تهدف للربح المادي بصورة أكثر ذكاء، ليس هذا فحسب، بل حتى هواتفنا التي نحملها طوال الوقت أصبحت تحمل تطبيقات مخصصة للقراءة خلال أوقات الانتظار أو الاستماع إليها ونحن في الطريق لمقرأعمالنا أو لمكان لا يستغرق وقت الذهاب إليه 15 دقيقة، خلالها يمكننا قراءة كتاب بكل سهولة، وهذا ما تغافل عنه صناع وناشرو الكتب الورقية بالإضافة لعدم وضع حدّ لغلاء الأسعار في المعارض التي تقام ما يجعل اختيار التقنية خياراً أفضل. هذا الأمر قلّل من عقد الصالونات والمنتديات الأدبية التي يتحاور أعضاؤها فيما بينهم عن الكتب، أو نقدها أو حتى في عرض توصيات لكتب أخرى تستحق القراءة.
من جهة أخرى ،ساعدت التقنية والكتب الالكترونية ذوي الاحتياجات الخاصة على الاستمتاع بما نقرأه ومعايشة المشاعر التي تصلنا منها إلينا، عن طريق الاستماع للكتب الصوتية التي أصبحت لها تطبيقات خاصة بذلك سهلت لهم الوصول لكافة الكتب التي يمكنهم مشاركتنا ماقرأوه ومناقشة ما تحتوية الكتب من معلومات أو قصص أو حتى فائدة، وهذه سمة التطور الذي نعيشة في هذا الوقت، أن نكون مواكبين له حتى لو كان الورق ضحية لاتساع مدارك الإنسان.
@i1_nuha