اجتماعية مقالات الكتاب

الطيبون يغادرون سريعا

(فما زال في الغيب منتجع للشقاء وفي الريح من تعب الراحلين بقايا)
أقتطع هذه الصورة الشعرية من سياق قصيدة محمد الثبيتي لأعبر فيها عن موقف يحمل الكثير من المفارقة القاسية والحزينة في الوقت نفسه. في الوقت الذي كنت أقرأ فيه رسالة في هاتفي الجوال من الأديب والشاعر السوداني بركات بلة تتحدث عن الموت والرحيل وتذكّر الأحبة والديار ولحظات الوداع والسفر جاءتني مكالمة هاتفية تصدمني برحيل صديق عزيز تقاسمت معه الكثير من الأزمنة والأمكنة. يقول بركات: “الموت أقسى وأشد أنواع الرحيل، غير أنه ما عاد كالموت القديم! أطفأ العصر بتحوّلاته المخيفة كل عاطفة نبيلة فينا واغتال أشواقنا وتبدّلت مشاعرنا إلى درجة ما عاد نحسّ معها بأي فرح حقيقي أو حزن. لقد فقدت الأشياء معانيها القديمة ومات كل جميل أودعناه الثرى وطواه النسيان.”

كان من المفروض أن يكون مقال هذه الزاوية حول موضوع آخر لكن الرحيل المفاجئ لهذا الصديق العزيز فرض نفسه في هذا المكان ولم أتمكن من الحديث أو التفكير في أي موضوع آخر. لقد أضاف هذا الرحيل المرّ الكثير من التعب الذي يبقى أثره حتى لو تظاهر الإنسان بالنسيان. تتغافل قليلا وتنشغل عن هذا المصاب لكن لا تلبث إلا أن تشعر بضيق خفي وحزن دفين وأنت أمام حقيقة أن أحد أصدقائك قد غادر الدنيا برمّتها. لقد غادر سريعاً وترك ذكريات لا يمكن محوها.

“كل نفس ذائقة الموت”، كما يقول الله تعالى ولا يصحّ أن نرضى بغير ذلك؛ ولهذا لست مع الرأي الشعبي الذي يقول أن الطيبين يغادرون سريعاً. لكنه هذه المرة صحيح تماماً. هذه المقولة الشائعة تنطبق على هذا الصديق بشهادة كل من يعرفه. لقد اختار الموت رجلاً طيباً بالفعل. لا شك عندي في ذلك. قد تختلف معه في رأي ما وقد تتشاجر معه حول موضوع ما، كما يفعل كل الأصدقاء، لكنه بالتأكيد أسرع منك في التسامح والعفو والصفح رغم أنك أنت المخطئ. هذا ديدنه مع الأصدقاء وربما الأعداء. لا يحمل في قلبه مثقال حبة من كبر أو ضغينة.

كم هو مخيف، يا صديقي، أن يغيب اسمك فجأة وأن الحديث معك قد انتهى للأبد. لقد غادرت سريعاً دون سابق إنذار. ما زال هناك بعض الحكايا الساخرة التي نريد الحديث عنها. ما زال هناك بعض القصص الصغيرة التي تنتظر السرد. والأهم من ذلك كلّه: من سيذكّرنا عندما نلهو أو نغفل أن وقت الصلاة قد حان وأن كل شيء يجب أن يتوقّف؟ الموت خسارة لنا ولا شك، لكننا ندعو الله أن يكون راحة لك من كل شر.
اللهم ارحم عبدك أبا ريان، عبدالرحمن خلف القصير، واجعل خير أيامه يوم يلقاك.

khaledalawadh@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *