حاولت أكثر من مرة عندما كنت في ريعان المراهقة أن أفعل كما تفعل باقي المراهقات أو أغلبهن على الأقل وأقوم بتدّوين يومياتي في دفتر جميل يحمل طابعي الشخصي، وكنت أستنزف الكثير من الوقت في تجّهيز ذاك الدفتر وتلّوينه ووضع رسومات تصوّر ما أعانيه من تقلّبات نفسية ومزاجية نشعر بها جميعنا في تلك الفترة الزمنية من العمر، إلا أن الأمر لم يكن يفلح دائماً ويؤول مصير ذاك الدفتر الذي استهلك وقتاً في تجهيزه يفوق وقت استخدامه على الوجه الحقيقي، إلى التحوّل لدفتر كشكول يحوي بعثرات رسومات، أو أجندة لألعاب (الكوتشينة)، وإذا رغبت أن يكون له فائدة أعظم ممكن أن تحافظ على وجوده وربما توّريثه لبناتي بتحويله إلى دفتر لمقادير أشهى الأكلات المدونة من الصديقات والقريبات.
على الرغم من أن هذه المذكرات تشغل حيّز كبير من إهتمام العديد من الناس وقد تكون أفلام الأكشن والإثارة جعلت منها عنصر مهم في اكتشاف القتلة وحل الألغاز ممّا كان له الأثر في إعطائها طابع الأهمية، لا علينا ففي النهاية كل ذلك لم يحفزني على أن أترك مسيرة حياتي مدوّنة في وريقات لورثتي من بعدي.
لسنا جميعاً أسوياء.وقد نقوم بفعل أمور لا تروق لغيرنا وانا أولكم، فقد جُبلت على المغامرة والتهوّر في بعض الأحيان لأخرج بحادثة تثير غضب واستنكار من حولي أحياناً، وهذا أدعى في أن تبقى تلك الوقائع طي الكتمان ولا يتمتع بمعرفتها إلا القلة ممن حولي.
عندما يحدث أمر في حياتي اليومية وتنتابني الرغبة في الفضفضة، أول الأشخاص الذين أرغب في الفرار إليهم و تعريفهم بهذا الأمر هم صويحباتي المقربات، سواءً كانت هذه الرغبة تعود لبكاء عالٍ أو ضحك هستيري، في الحالتيْن ليس مرحباً بالغرباء حينها، ومن نعم الله عليّ أن كل واحدة منهن تتفاعل مع أمري بما يتناسب مع شخصها، فالمتفائلة التي ترى الحياة جميلة بكل صعابها، والقلقة في أغلب الأوقات شديدة الحرص، ومن ترجع كل الأمور لرباطها الروحي، والحكيمة التي تستند على أسس وقواعد التفكير المنطقي، هذا الخليط الجميل من العقليات التي تتفق في المبادئ والقيّم وتختلف في طريقة التفكير هن دفتر مذكراتي، خليط تستطيع أن تنظر لتنافره بنظرة إيجابية، لا مكان للخجل حتى في سرد أخطائي مهما عظُمت ومهما كانت لا تتناسب مع النهج الخاص لكل واحد منهن، فأنا على يقين أن الإستنكار كان للخطأ ولا المخطئ، في هذه الحالة ما حاجتي لمذكرة يوميات قد تقع بالصدفة في يد كائن من كان وتتحوّل حياتي لمشاهد تُعرض، على الأقل لدي ضمانات بأن تلك المذكرات ستختفي مع اختفاء أصحابها بعد عمر طويل ولن يظهر منها إلا ما يرضيني، أما لو بقيت هناك قصاصات مبعثرة أو بقايا ملاحظات هاتف جوال، فلتتخلّصوا منه ويكفيني الأثر.