متابعات

ابن فرناس.. فتح الباب على مصراعيه أمام التقدم في علم الفلك

عبد الله صقر – مركز المعلومات

مع براعته في الطب، جمع عباس بن فرناس، ما بين الكيمياء والرياضيات والشعر والموسيقى، إضافة إلى كونه مخترعًا ومهندسًا وطيارًا؛ ليشكل بذلك هذا العالم الموسوعة بين علماء جيله من علماء الأندلس.
إضافة الى ذلك فقد كان فيلسوفًا وشاعرًا مبدعًا، وأحد علماء اللغة العربية، فقد نجح في فك كتاب العروض للخليل بن أحمد الفراهيدي المتخصص في أوزان وبحور الشعر العربي.
وكان أيضا ماهرًا في علوم الفلك، وأبدع فيه حتى إنه تم إطلاق اسمه على إحدى الفوهات الموجودة على سطح القمر؛ تخليدًا لذكراه وتكريمًا لإنجازاته العلمية، كما افتتح مركز فلكي يحمل اسمه في مدينة روندا بإسبانيا.


صناعة العدسات
فتحت ابتكارات ابن فرناس في صناعة الزجاج والعدسات باب التقدم في دراسة علم الفلك على مصراعيه مؤذنة بعصر جديد من رؤية الأماكن البعيدة والمجرات وتقريب البعيد.
فقد كان ابن فرناس من المهتمين بالكيمياء الصناعية، فكان أول من استنبط طريقة صناعة الزجاج الشفاف ذات الجودة العاليّة من الحجارة والرمل، وذلك بعد طحن نوع خاص من الرمال، بالإضافة إلى إنتاج زجاج الكوارتز والزجاج عالي النقاء، حيث قام بتطوير طريقة تقطيع أحجار المرو والكريستال الصلب التي تستخدم بلوراته في صناعة العدسات والمناظير الفلكية، ما ساهم في دعم أعمال الفلك في تلك الفترات، وقبله كان هذا العمل شاقًا جدًا.
وقد استفاد الأوروبيون من طريقته الجديدة في التقطيع وتم تطبيقها في القرون الوسطى حتى اليوم. كما صنع أول نظارة طبية في التاريخ، واستخدم فيها عدسات تصحيح الرؤية.

ذات الحلق
ابتكر ابن فرناس آلة (ذات الحلق) كي يستخدمها لرصد الكواكب السيارة والنجوم، ولتبين مواضع القمر من الشمس أو بدائرة البروج، وهي آلة تشبه الإسطرلاب في رصد الشمس والقمر والنجوم والكواكب وأفلاكها ومداراتها. وقد ابتكرها بنفسه؛ بهدف إجراء العمليات الحسابيّة والملاحظات الفلكيّة التقريبيّة. وتتركب (ذات الحلق) من حلقات مستديرة بعضها داخل بعض، قابلة للدوران حول محور، ومثبتة بطريقة خاصة لتؤدي كل حلقة غرضًا خاصًا، وفي حلقاتها سِنتان مثبتتان إحداهما بالأخرى تثبيتًا محكمًا بحيث يكون مستوى أحداهما عمودًا على مستوى الأخرى، تقوم إحداهما مقام دائرة البروج، وهي الدائرة التي تمثل مستواها فلك الأرض حول الشمس، وتقوم الثانية مقام الدائرة المارة بالأقطاب الأربعة.


سينما البلانتريوم أو القبة السماوية
ابتكر ابن فرناس قبة سماوية تحاكي ما يعرف حديثًا بسينما “البلانتريوم” التي تسمح بمحاكاة شديدة الشبه للسماء في شكلها الحقيقي ومعاينة الأجرام داخل صالة مغلقة في مشهد تخيلي.
وبناها منذ وقت مبكر في غرفة جعل سقفها يحاكي السماء في المساء، ليرى الزائر داخلها النجوم والأجرام المختلفة والسحب والصواعق والبرق والغيوم ويتعرف على كافة التكوينات الكونية المدهشة، وهي النماذج التقريبية للسماء حيث كان يقوم بصناعتها وتركيبها بنفسه في معمل خاص به واشتهر بها.

(الميقاتة) الساعة المائية
ابتكر عباس بن فرناس أول آلة لقياس الوقت وسماها (الميقاتة) التي تسمى كما يقول دوزي في «ملحق القواميس العربية» «المكانة أو المنكلة» أو المنقالة. وتقوم على قياس درجات الظل وحسابه، وزواياه تمثل الدقيقة والثانية في النهار، وشكلها دائري مقسم إلى مسافات متساوية.
تقول المستشرقة (زيغريد هونكة)، في كتابها «شمس العرب تسطع على الغرب»: «إنها قد ألهمت من أتى بعده، أي بعد ابن فرناس، وتسميها «ساعة الرحلة» وتعدُّها الصورة الأولى التي ألهمت من أتى بعده لصنع الساعات المائية أو الزئبقية، أو الساعات الشمسية الدقاقة». وقد قدمها ابن فرناس إلى الأمير عبد الرحمن الأموي.
وتُعد هذه الآلة ساعةً تعمل بالطاقة المائيّة اخترعها لمعرفة الأوقات بدقة، حيث تعمل بمبدأ تدفق الماء بشكلٍ رئيس.

أول قلم حبر في التاريخ
يعدُّ ابن فرناس أوَّلَ من صنع قلم الحبر السائل في التاريخ، وهو آلة اسطوانية الشكل تتغذى بحبر سائل يُستخدم للكتابة. وقام ابن فرناس بتصميم أسطوانة متصلة بحاوية صغيرة يتدفق عبرها الحبر إلى نهاية الاسطوانة المتصلة بحافة مدببة للكتابة. وكان هذا الاختراع حيويًا ومهمًا في التاريخ الإنساني، وفيه دلالة الانتقال من عصر الكتابة بالريشة إلى القلم الحبري الذي غزا العالم بعدها في أوروبا، عندما تطور بشكل أفضل. فسبق في صناعتها العالِمَ (ستيلو) بقرون عديدة، وسبق العالم (شيفر) الذي ابتكر عام 1809م قلم حبر بخزان، وسبق (واترمان) بنحو ألف عام، وقد ذكر د. حسين مؤنس في كتابة «معالم تاريخ المغرب والأندلس» هذا الابتكار لابن فرناس وكان لهذا الأثر البالغ في تطوير الكتابة، وتسهيل أمر التأليف على المؤلفين.

ابتكارات وإسهامات أخرى
-ابتكر ابن فرناس بعض أنواع بندول الإيقاع كالتي تستخدم في الساعات.
-إبداعاته في تطويع أدوات للزينة من الفضة والذهب وسبكها وزخرفتها، كما جعل في بيته مختبرًا مزودًا بكل ما يلزم من أدوات لأعمال الصياغة، وكان اعتماده على النار للوصول إلى صهر المواد أو المعادن، أو تسخين العناصر الكيماوية التي يستخدمها لإجراء تجاربه.
– يعد أول من فك رموز الموسيقى في الأندلس. وأول من أدخل عليها علم العروض الذي وضعه الفراهيدي، وفك رموزها، ودرس الموسيقى اليونانية، وترجم بعض المؤلفات الموسيقية، ودرس مصطلحاتها بهدف الوصول إلى التطبيق العملي، ومحاولة استخدامها على آلة العود التي كان يجيد العزف بها، واستعان بما توصل إليه فيثاغورس في أن مدة النغمة تختلف باختلاف طول الوتر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *