عندما أعود إلى الوراء قليلاً متذكراً بداية علاقتي بالساحة التشّكيلية ، أجد أن إهتمامي بدأ فعلا قبل ما يزيد عن عقدين من الزمن.
كان ذلك في منتصف التسعينيات عندما كنت أتردّد على معارض بيت الفنانين التشّكيليين في مركز الجمجوم التجاري في جدة لحضور المعارض الفنية التي يقيمها البيت فترة رئاسة الفنان هشام بنجابي للبيت.
أذكر أن عدد أعضاء البيت في ذلك التاريخ حوالي خمسمائة فنان تشكيلي من السيدات والرجال تتراوح أعمارهم من عمر العشر سنوات لبعض المبتدئين الى سن السبعين للمتقاعدين وقد عرفت تفاصيل هذا التنوع والعدد بعد أن قادتني الظروف وبترشيح من إدارة
البيت آنذاك ”بعد انتهاء فترة الاستاذ هشام”، أن أصبح عضواً في إدارة البيت ثم رئيساً له لأربع سنوات.
كان سبب ذلك إهتمامي بالساحة التشكيلية بالإضافة لإعجابي السابق بهذا الفرع من الفنون منذ عملي السابق في الخارج الذي استمر عشر سنوات في دول مختلفة ومدن كبرى كانت حاضنة لحركة فنية مميزة خاصة نيويورك وروما وبومبي.
كنت جاداً في علاقتي بهذه الساحة العزيزة ولقد أثمرت هذه العلاقة الكثير من الصداقات الغالية على نفسي وكتاباً أو كتيّب ضمّ حوارات مع أعمال فنية مختلفة نشرته باللغتين العربية والإنجليزية بمساعدة النادي الأدبي في الرياض وكذلك شركة “Amazon”
وأستطيع القول اليوم أن تاريخ الفن التشكيلي المعاصر في بلادنا من اكثر ذاكرتنا الثقافية غموضاً واختلاطاً خاصةً في تاريخ بداياته وأن كثرة ما نقرأ فيه عن “النجوم “، يجعلنا نعيد النظر فيما قرأناه من مدائح في مواقع صحفية متباعدة لا يخلو بعضها من الشللية أو فن صناعة النجوم وأحيانااً نرجسية البعض في إخفائهم تجارب الآخرين الذين استمروا في الظل بسبب طبيعتهم الإنطوائية أو بعدهم عن المدن الكبرى أو قلة معارفهم أوعلاقاتهم الضعيفة بالإعلام.
وفي الجانب الآخر ،لا ننسى أن بلادنا أنجبت العديد من الفنانين التشكيليين سواء أولئك المحظوظين ممّن وجدوا الرعاية والدعم وتمكنوا من الظهور في الداخل والخارج وتربعوا بحق على مقعد العالمية أو من حال حالهم ( من الفنانين الحقيقيين ) الى ما دون ذلك.
وكذلك لا يجوز أن نغفل الإضافة التي شارك بها الكثير من الإخوة والأخوات من الفنانين المميزين من جنسيات عربية مختلفة عاشوا بيننا في مدن عدة إستأثرت جدة والرياض والدمام بنصيب ملحوظ منهم.
والفريقان من أبناء الوطن اللذان اكتسبا مصداقيتهما وخبراتهما الوجدانية التي تجسّد تراكمات الزمان والمكان في إبداعاتهما بعيدا عن التعثر في التخمة والترهل الإستهلاكي كما يجري مع بعض منازعات فنون ( البوب آرت ) سواء من تحقق له الإنطلاق والشهرة أو حتى العالمية أو أولئك الذين قعدت بهم الظروف .
وإحقاقا للحق ،وتأكيدا للفخر بما وصل إليه العمل التشكيلي في الساحة الفنية لدينا ، أجزم بأن كثيراً من الفنانين التشّكيليين في بلادنا بلغوا من التفوق والأسبقية والنضج في الممارسة الإبداعية (منفردين ) ،ما يجعلنا نطمئن أن مخزوننا من التجارب سيضئ الدرب لكثير من الأجيال القادمة والتي تكبّد وعورتها الجيل الحالي والذي سبقه إلى هذه الساحة ، ولكن قلّة الدراسات، وضُعف التوثيق ،قد يشكلان بعض العوائق للإستفادة من هذه التجارب الثريّة المتوهّجة.
وفي تجربة قريبة قد لا تتجاوز العام ،وجدت أن مدينة سياتل تحتفل كل عام بمعرضها الفني الدولي والذي شارك فيه هذا العام الكثير الفنانين التشكيليين من أوروبا وآسيا بالإضافة الى حضور الكثير من أعمال التشّكيليين الأمريكان الجديدة ومنها أعمال كنت قد شاهدت أمثالها من حيث الفكرة لدينا من سنوات مثال ذلك استخدام الكتب في الكولاج وهو عمل شاهدته في معرض للأستاذ عبدالله إدريس من سنوات طويلة .
sal1h@