اجتماعية مقالات الكتاب

الأنيق باخشوين والعزف على مفردة النص القصصي

ما الذي يمكنني قوله عن هذه الشخصية والقامة الأدبية السامقة، الأبرز في عالم السرد القصصي، يكاد يسبقه ظله وأناقته في حله وترحاله، الشغوف دائما باللجوء إلى العزلة، حين يداهمه الألم والوجع، وكثير من الصبر الذي تجاوز حدود الإحتمال، ولاسيما ألم الغربة، الذي عاشه خارج الوطن، لفترة زمنية لم تدم طويلا، ليعود مُغرداً بصوت “طائر النُّغْرِي” وكأنه يشبهه في الوسامة والجمال وعذوبة الصوت، عائداً لأرض الوطن ومسقط الرأس الطائف المأنوس، متنقلاً في أرجاء بلاده الحاضنة بطبيعتها الخلابة، حاملا في ذاكرته الأدبية، أرَّقُ وأجمل العبارات، بروحه المرحة وشخصيته المتشبعة بفلسفة الحياة الباذخة بالأمل والتفاؤل، ممتزجة بالموروث الأدبي، المتعارف عليه في الأوساط الشعبية، يرتقي بجماليات القصة السعودية، في عوالم الأدب العربي والعالمي.

ولعلَّ ما يُبَرُّرُ تأخري في الكتابة، عن هذا الأنيق المُبدع -رحمه الله-، العديد من القامات والنخب الأدبية والثقافية والإعلامية، التي سبقتني لرثاء الفقيد، وتحدَّثت عن مدرسته في الفن القصصي، واختياره مفردة النَّص، ففي قصته بعنوان: ” الأنيق” الصادرة عن النادي الأدبي الثقافي بجدة، بدورية الراوي، والإهتمام بالإبداع القصصي، محرم 1424هـ مارس 2003م، شكَّلت بمفرداتها وبساطتها جُملاً إبداعية، رسمت شخصية وإنسانية وشفافية القاص “باخشوين”، حين سطَّر بحروفه طعم ومعنى اللّذة وحلاوة المذاق ، باجتماع الأسرة الواحدة، في حلقة متجانسة من الألفة والمحبة، حول ” قرص التميس” يغمسون قطعه الصغيرة في أكواب الشاي، لسدّ بعض الرَّمق والشعور بالجُوع.

التقيت بالقاص “باخشوين” صدفة ذات ظهيرة، بأحد مشافي مدينة جدة الحكومية، على عربته يدفعها بلطف أحد مرافقيه، وسط اهتمام ومتابعة طبية من إدارة المشفى، بهذه الشخصية الأدبية الرائعة، ودار بيننا حديث على وجه السرعة، رفقاً بحالته الصحية، وكأنه حديث الوداع بلهفة الشوق ونقاء الرجل، حين منح تأشيرة دخول قلبه لكل مَنْ عرفه عن قُرب، بقدر وحجم طيبته وإنسانيته، وهي السِّمَات الأدبية التي تنطبق عليها معايير المكانة والمنزلة الرفيعة، على المستوي الرسمي والإجتماعي.

إن برقيتي العزاء من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ـ حفظهما الله ـ تعدّان تكريماً خاصاً للأديب القاص والكاتب الصحفي عبدالله باخشوين ولأسرته.

كما أن تكريم النادي الأدبي الثقافي بجدة ومجلس وأعضاء إدارته، يعدّ هو الآخر تكريماً آخر ضمن أنشطة هذا النادي العريق، الذي شهدت قاعته الرئيسة، العديد من القامات الأدبية، البعض من تلك القامات غادر الحياة الدنيا، تاركاً خلفه أطيب الأثر،فيما تبقي الأندية الأدبية بالمملكة، منارات في وطن تتجلى فيه الرعاية المعنوية والمادية، وإشعاعاً للحضارة الإنسانية، ونشراً للثقافة التي أعطت ثمارها، بإستضافة الكثير من الرموز والنُخب الفكرية السعودية والعربية، فهذا الحراك الأدبي الذي عاشته المملكة، شكَّل بريقاً ونمطاً حضارياً في تاريخنا الثقافي، ونتاجنا الشعري والنثري، والتجّديد والتطوير والإبداع الفكري، عاشه إنسان هذه الأرض النابعة بالعطاء.

abumotazz@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *