البلاد ــ الرياض
يخبئ حي المربع في طياته الكثير من الروايات والقصص التي استقت حبرها من بناء مجموعة من القصور الملكية خارج سور الرياض القديمة، وصولاً إلى ظهور ملامح الحكاية لأبناء العاصمة في العام 1419هـ بإنشاء مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، ليصبح أَنْمُوذَجا حَيّاً تشع من جنباته ملحمة بناء وازدهار تتوارث وتتناقل صفحاتها الأجيال جيلاً بعد جيل.
وكانت البداية تعود لعام 1355 هـ حينما وجّه الملك عبد العزيز – رحمه الله – بالشروع في بناء مجمّع من القصور خارج حدود الرياض في ذلك الوقت، سُميت بعد اكتمالها عام 1357هـ بقصور المربع، إلا أن العلم الأبرز وحجر الزاوية، ديوان الملك عبدالعزيز المعروف بـ”قصر المربع”، إذ شهد استضافة العديد من ملوك الدول العربية والإسلامية ورؤسائها، وشهد أحداثاً رئيسة وقرارات ملكية في تاريخ البلاد منها إنشاء وزارة الدفاع، والإذاعة، ومؤسسة النقد العربي السعودي – فيما بعد البنك المركزي السعودي – وإصدار العملة، والمدارس النظامية، وإنشاء السكة الحديد بين الرياض والدمام، إضافة لإصدار الأنظمة منها نظام البرق، والطرق والمباني، والتقاعد، والعمل والعمال، والغرف التجارية وجوازات السفر.
وزامنت فترة التأسيس وعمارة الموقع مقتضيات الحياة بشكل عام، فجاور تلك القصور “جامع الملك عبدالعزيز “، وفي جانب آخر بني ” مسجد المدى”، ووفرت مصادر المياه من الآبار المحيطة، ولا تزال البئر القديمة في موضعها.
بواعث الولوج إلى مرحلة التطور العمراني ترجمت على الواقع باكتمال تشييد “القصر الأحمر” عام 1364 هـ، حيث أمر الملك عبدالعزيز ببنائه عام 1362هـ لابنه الملك سعود عندما كان ولياً للعهد، فكان نقلة نوعية في أساليب العمارة الحديثة، وتحفة معمارية حتى يومنا بتفاصيله ولونه المميز.
ويعلو شامخاً في سماء حي المربع “برج المياه” بارتفاع 61 متراً، مكتسباً منذ إنشائه عام 1391 هـ صفة أشهر معلم حضاري وبتصميمه رمزية لمدينة الرياض، في الوقت ذاته دلالة على ركب التطور والتنامي المتزايد في العاصمة، وتمدد أحيائها الأمر الذي استوجب تأمين ضخّ للمياه في أرجائها آنذاك.
ذاكرة المكان مع ما فرضه عامل التطوير من إزالة لبعض المواقع ما زالت تحتفظ بالعديد من المعالم منها: مدرسة اليمامة الثانوية التي خلدت في نصب تذكاري أسماء خريجيها، ومقر الحرس الوطني، ومبنى البريد، والمركز والمسرح الثقافي شمال حديقة الفوطة المعروفة، والقصور الطينية، وارتباط حي المربع بدخول السينما فترة الثمانيات الهجرية.
“حي المربع ” يحكي بين جنبات دوحته الغناء ” مركز الملك عبدالعزيز التاريخي ” تفاصيل حقب زمنية شهدتها العاصمة، فعلى مساحة 440 ألف متر مربع روعي في المشروع جماليات المشهد البصري، والتصميم المتسق بين المكون التاريخي والثقافي والعلمي “دارة الملك عبدالعزيز، والمتحف الوطني، وفرع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة”.
كما تمثل الحدائق والمسطحات الخضراء البنية الأساسية في مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، الأمر الذي يُكسبه بمنشآته الثقافية والاجتماعية المتعددة سمة إضافية تتمثل في بيئته الطبيعية التي تشكل رئة خضراء تتنفس عبرها أحياء وسط المدينة، محتضنًا في ساحاته متنزهاً من 6 حدائق رئيسية مسوَّرة، وحديقة مفتوحة، وواحة النخيل، بالإضافة إلى جدول مائي تتدفق المياه فيه من بئر قديمة في الموقع.