يتولد لدي انطباع، وقد أكون مخطئًا، بأن جيلنا الحالي يكافح من أجل التركيز لفترة كافية للحصول على معلومات جديدة واسترجاعها؟ نجد ذلك واضحًا حولنا، ينخرط الناس في هواتفهم أو لا يبدو أنهم يركزون لأكثر من بضع دقائق دون البحث عن شكل من أشكال التحفيز الجديد. يعتقد المتخصصون الآن أن هذا الاتجاه أصبح مصدر قلق متزايدًا في ثقافتنا المعاصرة. الأطفال في الوقت الحاضر لديهم فترات انتباه أقصر بكثير ويحتاجون إلى التحفيز الخارجي في كثير من الأحيان أكثر من الأجيال السابقة.
أتذكر إرسال مقطع فيديو مدته ثلاث دقائق إلى أحد الأصدقاء، فوجئت عندما قال إن هذا الفيديو كان طويلاً للغاية، بحيث لا يستطيع مشاهدته، ثم قال: إن أطول مدة يمكن مشاهدتها هي 30 ثانية وبعد ذلك يفقد التركيز. يمكن قول الشيء نفسه عن شباب اليوم، الذين يبدو أنهم غير قادرين على التركيز على مهمة واحدة، ينتقلون من مهمة إلى أخرى.
كنت أستمع إلى حلقة بودكاست مهمة قدمتها لورا أوينز قابلت فيها الدكتورة غلوريا مارك- أخصائية نفسية- وأرجعت فقدان التركيز، أو ما يسمى Short Attention Span إلى الإفراط في استخدام الأجهزة الشخصية، ما يضر بقدرتنا على الانتباه، وفقًا لبحث مستقل أشارت إليه الدكتورة غلوريا، انخفض متوسط التركيز على أي شاشة بمقدار 40 ثانية على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية.
وأشارت إلى أنه من المعتاد للغاية رؤية شخص يعمل في المهمة رقم واحد، ثم ينتقل إلى المهمة رقم اثنين، وأخيرًا ينتقل إلى المهمة رقم ثلاثة، ويقضي في المتوسط 10 دقائق في كل مهمة من هذه المهام قبل الانتقال لأخرى ودون إنهاء المهمة. إن التسلل القديم الكامل متعدد المهام، لكن لم يتم تسميته بذلك مطلقًا، يطلق عليه نقل التركيز من نشاط إلى آخر. ذكرني هذا بشخص يعاني من عدم إتمام قراءة الكتاب كاملًا، فما إن ينتهي من قراءة فصلين حتى يفقد تركيزه وينتقل إلى كتاب جديد، وهكذا، انتهى به المطاف إلى سلسلة طويلة من الكتب غير المكتملة.
مسألة قصر فترة الانتباه، أو قلة التركيز في الأجيال الشابة قد يكون لها تداعيات كبيرة، من الأهمية بمكان التعامل معها على الفور قبل أن تصبح خارج نطاق السيطرة. عندما يتعلق الأمر باستخدام الأدوات الإلكترونية لدى الأطفال، يجب أن يصبح الآباء أكثر نشاطًا في حياة أطفالهم وعزلهم عن الأدوات الالكترونية والتركيز على الأنشطة البدنية والتعليمية وتقنين استخدام تلك الأجهزة إلى الحد الأدنى والمفيد.
من المؤلم أن نجد شابًا في مقتبل العمر لا يتذكر اسم من قام بالسلام عليه قبل ربع ساعة، أو ذلك الشاب الذي يفقد التركيز في حوار بعد دقيقتين ويبدأ بالتثاؤب أو الانشغال بأمور أخرى.
وأخيرًا أجد نفسي محظوظًا أنني من ذلك الجيل الذي لم يسمع بكلمة ” قلة تركيز”، فقد كنا نجلس بالساعات لتصفح وقراءة الجرائد، وننصت باهتمام إلى المتحدثين دون الانشغال بأمور أخرى، لم نعانِ من مشاكل في الذاكرة، أو لنكن أكثر دقة عندما نقول: إنها لم تكن بذلك السوء التي هي عليه الآن. كنا نركز على عمل واحد في وقت واحد ونحرص على إنجازه.
وأخيرًا، السيطرة على قلة التركيز ليست بالمهمة السهلة، ولكنها ليست مستحيلة.
jebadr@