الحوار دليل عافية المجتمع الفكرية والحضارية وهو من أرفع وسائل الاتصال بين الأفراد والمجتمعات وآلية ناجعة لإقناع الجانب المخالف بالرأي السديد، وقد أصبح ذا أهمية في عصر طوفان المعلومات والأفكار التي تدلف إلينا آناء الليل وأطراف النهار دون استئذان، وهو ضروة للأسرة والمجتمع للتفاهم في كثير من المسائل، ووسيلة للتآلف وبناء الأسرة والمجتمع المعافى من التعصب والعنف، وعلى مستوى الدول فللحوار دور كبير في إحلال السلام ووضع حد للحروب.
كما أن الحوار عنصر مهم لاستقرار الأسرة والمجتمع وهو آلية للتعامل الإنساني الحضاري دون تعصب أو عنف، ويعد عاملاً فعالاً لتقارب الآراء والوقوف على المشكلات ومنع استفحالها ومن خلاله يكتسب الأفراد الصبر والمرونة في التعامل مع الآخرين، كما أنه يبسط قيماً إيجابية نبيلة كالمحبة والألفة بين الناس ويحد كثيراً من العواطف المكبوتة والطاقات السلبية، فضلاً عن تنميته لإمكانيات الفرد على التفكير المنهجي بعيداً عن التشنج والعنف، بجانب قدرته على توفير الحلول المثلى لكثير من القضايا الفكرية والأسرية والمجتمعية الصعبة الشائكة وغيره، وفي المجمل فإن الحوار المنهجي يرمي إلى تجاوز عقبات سوء الفهم ليصل إلى تفاهمات مشتركة بين أصحاب الآراء المختلفة واحترام المشترك وغير المشترك بعيداً عن إطلاق الأحكام والتصنيفات الجاهزة.
وتقوم ثقافة الحوار باقتضاب على مبدأ الرأي والرأي المخالف في إطار قيمة التسامح والاستماع لكافة الآراء المختلفة بشكل حضاري راق دونما تعصب أو عنف معتمداً على الإقناع بالدليل والخلاصة برأي مثمر بناء. وتنطوي ثقافته على حزمة من المبادئ الأخلاقية والمعايير الاجتماعية التي تتبدى في تصرفات إيجابية بين المجموعات المتحاورة مثل إجادة الإنصات واحترام وجهات النظر وعدم المساس بكرامة الفرد وقبول الانتقاد في حوار حضاري يفضي إلى التقبل المجتمعي للآخرين والارتضاء بالتعدد الثقافي، فثقافة الحوار هي الترياق من آفات كالتطرف والعنف وغيابها يوفر لخطاب الكراهية النماء والاستفحال.
ولا بد أن يتسم الحوار بالجدية واللغة المهذبة الناقلة لوجهة النظر والفكرة بكل هدوء مع الأخذ في الاعتبار مجال وفكر المحاور والسعي إلى الحقيقة بعيداً عن العواطف واستصحاب كافة جوانب الاتفاق والاختلاف للوصول إلى الحقيقة وغيره. ولا نعني بالحوار ذلك الصراخ الذي يدور بغية فرض الآراء من طرف واحد لا يأبه بالطرف الآخر ولا يستمع لآرائه “حوار الطرشان” حيث لا منطق ولا عقل فيه إذ كل طرف عاجز عن فهم الآخر وحريص على الانتصار لرأيه وإلغاء الآخر تماماً.
إن إشاعة وترسيخ ثقافة الحوار تبدأ من الأسرة ومن ثم المجتمع جنباً إلى جنب مع المدرسة والمسجد ووسائل الإعلام ليتعلم النشء مهارات وآداب وثقافة الحوار وتعزيز القواسم المشتركة لوجهات النظر بعيداً عن التعصب والإقصاء ليتسنى لهم احترام وقبول الآخر وبناء مجتمع حضاري.
J_alnahari@
باحثة وكاتبة سعودية