اطلعت على هذا الخبر مؤخراً في صحيفة البلاد، وأنقله هنا نصاً، “أوضحت النيابة العامة، العقوبات المقررة بحق أفراد الأسرة الذين يمتنعون عن إعالة كبير السن، والتي تشمل السجن مدة تصل إلى سنة وغرامة تصل إلى 500 ألف ريال.
ولفتت النيابة العامة إلى أن كبير السن له حق العيش مع أسرته، وعليها إيواؤه ورعايته بتوفير الاحتياجات الضرورية له، وتشمل المسكن والمأكل والملبس والعناية الصحية والجسدية والنفسية والاجتماعية والترويحية. وأضافت أن مسؤولية رعاية كبير السن المحتاج تكون على أفراد الأسرة وفقاً للتسلسل التالي: الزوج أو الزوجة إن رغبت، فإن تعذّر ذلك، فعلى أبيه إذا كان قادراً ثم أحد أولاده الذكور، فإن تعذّر ذلك، فعلى أحد أحفاده الذكور، فإن تعذّر ذلك، فتكون المسؤولية على أحد إخوته الذكور، ويجوز انتقال واجب الإعالة إلى من اختاره كبير السن منهم مع وجود من هو أولى منه. ونوّهت أنه في حال عدم الاتفاق أو عدم قيام أي من أفراد الأسرة بالإعالة، فتتولّى المحكمة المختصة تحديد العائل من أفراد أسرته، على أن يراعى في ذلك مصلحة كبير السن، وذلك وفقاً لنظام حقوق كبير السن ورعايته.”
مثل هذه الأخبار جيدة، وتحفظ حقوق كبار السن، إلا أنها قد تدل على أن ظاهرة إهمال كبار السن أو الأبوين في انتشار وإلا كيف تسن مثل هذه القوانين. قرأنا في السابق كثيراً من قصص مؤلمة لأبوين تم طردهم من المنزل إرضاء لزوجة الابن، أو قصة تلك الأم التي طردها أبناؤها من المنزل ليستولوا عليه، أو لأب مسكين رماه ابنه تحت أحد الجسور، وتركه يعيش بلا مأوى ولا طعام، أو لأُم مكلومة رماها أبناؤها أمام أحد المستشفيات، ورفضوا استلامها بعد العلاج، وأيضا لا ننسى من تم رميهم في دار العجزة وأبناؤهم في وضع مادي ممتاز، وعلى قيد الحياة، ويعيشون في المدينة نفسها.
إن الله -عز وجل- لما أمر الخلق بعبادته، جعل بر الوالدين مقروناً بعبادته، وقال في محكم كتابه، “واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً”. وقرن شكره بشكر الوالدين، “أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ”.
لقد اتهمنا أخلاقيات الغرب في التعامل مع الوالدين، وصفناهم بالجحود والنكران، وأن من عاداتهم رمي والديهم في الشوارع، أو في دار العجزة. تناسينا أن التعميم مرفوض، وأن هناك نماذج كثيرة لبر الوالدين ممن يعتنون بوالديهم حتى الممات. وكما أن لديهم دور عجزة، فإن لدينا الأربطة الخيرية المليئة بكبار السن، ويعيش أبناؤهم معهم في المدينة نفسها، ويعانون ويلات الإهمال. وإن كان ما نتهم به أخلاقيات الغرب صحيحا، فلماذا نستنسخ هذه العادة.
لا توجد جريمة من وجهة نظري الشخصية أكبر من جريمة عقوق الوالدين، ولا أعلم كيف يعيش يومه من يرتكب هذه الجريمة. إن البر بالوالدين والعناية بهما شرف كبير، وفيه من البركة والخير الكثير، ولا يسع المجال هنا لحصرها، ومن أراد فليقرأ القرآن والسنة.
البر بالوالدين لا بد أن يكون نابعاً من الإيمان بأنها من أعظم العبادات التي نتقرب بها إلى الله عز وجل، وليس بسبب الخوف من قوانين عقابية. الأولى بنا الخوف من عقوبة الله -عز وجل- الذي يعجل بالعقوبة في الدنيا قبل الآخرة. الدنيا تدور وسوف يشرب هذا الابن يوما من ذات الكأس التي سقى بها أباه، وهذه المرة من أبنائه.
أسأل الله الهداية لكل عاق لولديه.
jebadr@