البلاد- خاص
رغم الإحصاءات العالمية التي تشير إلى تحقق نسب شفاء عالية، فإن مجرد ذكره يصيب بالكثير من القلق والمخاوف التي تتحول إلى فزع إذا طرق باب منزل، وتسلل إلى أحد أبنائه خلسه ودون سابق إنذار، محققا وصفه بأنه “المرض الخبيث” الذي يلتهم براءة الطفولة.
“سرطان الأطفال” يشهد معدلات إصابة مرتفعة تقدرها منظمة الصحة العالمية بنحو 400 ألف حالة تصيب الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين يوم و19 سنة.
ويكشف المعيار المعتمد والمستخدم بشكل عشوائي أن مصطلح سرطان الأطفال يطلق على الأطفال المصابين من أعمار يوم–14 عاماً، ومن الممكن أن يصل حتى سن 14 عاماً، في بعض الأحيان يشمل تعريف سرطان الأطفال المراهقين الذين تتراوح أعمارهم من 15 إلى 19 عاماً.
ما هو السرطان؟
والسرطان مصطلح عام يشمل مجموعة من الأمراض التي يمكنها أن تصيب كل أجزاء الجسم، والخلايا السرطانية لها القدرة على الانقسام السريع والشاذ، بل ويمكنها النمو خارج حدودها المعروفة واقتحام أجزاء الجسد المتلاصقة والانتشار إلى أعضاء أخرى.
وجاءت كلمة السرطان من الطبيب اليوناني أبقراط الملقب، حيث استخدم الكلمات اليونانية “كارسينوما” لوصف الأورام، وتم استخدام كلمة سرطان نسبة لسرطان البحر، والذى اعتقد أبقراط أنه يشبه الورم.
أقدم حالات الإصابة
كانت أقدم حالة موثقة من السرطان في العالم من مصر القديمة في 1500 قبل الميلاد، وتم تسجيل التفاصيل على ورق البردى وتوثيق 8 حالات من الأورام التي تحدث على الثدي، وتم علاجها عن طريق الكي.
في اليونان القديمة أعتقد أبقراط أن الجسم يتكون من أربعة سوائل “الدم، البلغم، الصفراء، الصفراء السوداء”، وكان يعتقد أن وجود فائض من الصفراء السوداء في أي مكان في الجسم يسبب الأمراض السرطانية.
أنواع سرطان الأطفال
هناك 12 نوعاً من أنواع السرطان قد يُصيب الأطفال، حيث يعد سرطان الدم (اللوكيميا) وسرطان الدماغ من أشهر أنواع السرطان التي تصيب الطفولة، والأورام اللمفاوية والأورام الصلبة، مثل أورام الأرومة العصبية وأورام ويلمز، وتزيد مخاطر الإصابة بالسرطان لدى الأطفال الرضع في حين تقل كلما كبروا.
وتتمثل أنواع السرطانات الأكثر شيوعاً عند الأطفال سرطان الدم 34 % وأورام المخ 23 % والأورام الليمفاوية 12 % ورم الخلايا البدائية العصبية 7 %، ورم ويلمز 5 %، لمفومة لاهودجكينية 4 %، الساركومة العضلية المخططة 3 %، ورم أرومة الشبكية 3 %، ورم غرني عظمي 3 %، ساركومة يوينج 1 %.
الانتشار عالمياً وعربياً
كشفت إحصائيات أن الدول الأكثر إصابة عالمياً بالسرطان (من بينها سرطان الأطفال) بالنسبة لمعدل السكان هي أستراليا بمعدل 468.0 مصاب من كل 100 ألف شخص، ثم نيوزيلاندا بمعدل 438.1 مصاب من كل 100 ألف، ثم إيرلندا بمعدل 373.1 مصاب من كل 100 ألف.
أما عربيا فقد ذكرت ورقة بحثية نشرتها منظمة الصحة العالمية عام 2020م أن ”الأمراض السرطانية (من بينها سرطان الأطفال) تنتشر في الدول العربية بوتيرة تنذر بالخطر”. وحذر مصطفى عرفة – أحد المشاركين في هذه الورقة البحثية وأستاذ علم الأوبئة بجامعة الإسكندرية ورئيس قسم أبحاث السرطان بجامعة الملك سعود بالرياض – من خطورة نتائج الدراسة.
وقال في تصريح له: ”كشفت تقديراتنا بأن أعداد الإصابة (بالسرطان) في الشرق الأوسط سوف تتضاعف تقريبا بمعدل زيادة 1.8 ضعف الفترات الزمنية التي شملتها الدارسة 2002 و 2020 و 2030م”.
وبالنسبة للدول العربية جاءت لبنان في المرتبة 48 عالمياً والأولى عربيا، حيث وصل عدد المصابين بالسرطان لـ242.8 أشخاص، والأردن في المرتبة الثانية بنسبة 155 لكل 100 ألف شخص، ومصر في المرتبة الثالثة بين الدول العربية، بنسبه 152 لكل 100 ألف شخص.
وفيما يتعلق بمنطقة الخليج كشف المدير التنفيذي للمركز الخليجي لمكافحة أمراض السرطان الدكتور علي الزهراني في تصريح صحفي أن الأرقام الإحصائية لإجمالي حالات الإصابة بالأمراض السرطانية في دول مجلس التعاون الخليجي، تشير إلى تسجيل 254 ألف حالة سرطان في الخليج خلال الـ20 عاماً الماضية، وتمثل السعودية قرابة 75 % من إجمالي الإصابات في الخليج، وأن ثلث المصابين في دول الخليج هم من الوافدين.
أسباب الإصابة
وبخلاف السرطان الذي يصيب البالغين، فإن الغالبية العظمى من أنواع سرطان الأطفال مجهولة الأسباب. وقد سعت العديد من الدراسات إلى تحديد أسباب سرطان الأطفال، ولكن عدداً قليلاً جداً من أنواع سرطان الأطفال ناجم عن العوامل البيئية أو العوامل المتعلقة بنمط الحياة، ولا يزال سبب الإصابة بسرطان الطفولة غير معروف حتى الآن، لكن الأطباء رصدوا عددا من العوامل قد تكون مؤثرة في الإصابة بالمرض من بينها بعض الحالات تكون مرتبطة بمتلازمة داون أو غيرها من التشوهات الكروموسومية، والتقدم في السن لدى الوالدين قد يزيد خطر الإصابة بسرطان الطفولة، والعدوى الفيروسية كسرطان الكبد (التهاب الكبد ب) وفيروس نقص المناعة البشري (HIV)، والتعرض للمواد المشعة المؤينة في الطفولة.
نسب الشفاء
وعلى الصعيد الدولي، تظهر المفارقات الأعظم بالنسبة لحالات الإصابة بسرطان الأطفال عند المقارنة بين الدول ذات الدخل المرتفع والأخرى ذات الدخل المنخفض. ففي الدول المتقدمة، يبلغ معدل الوفيات نتيجة الإصابة بسرطان الأطفال حوالي 20 % فقط من الحالات أي إن نسب الشفاء تصل إلى نحو 80 %، لكن على الجانب الآخر، يبلغ معدل الوفيات في البلدان ذات إعدادات الموارد المنخفضة حوالي 70 % إي إن نسبة الشفاء لا تتعدى 30 %، أو حتى أنه قد صل نسبة الوفاة 90 % في البلدان الأفقر في العالم.
وحسب منظمة الصحة العالمية فإن الوفيات الناجمة عن أنواع سرطان الأطفال التي يمكن تجنّبها في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل ترجع إلى ضعف التشخيص أو التشخيص الخاطئ أو التأخر في التشخيص، وإلى عقبات تحول دون إتاحة الرعاية، وإلى التخلي عن العلاج، وإلى والوفاة بسبب سميّة المرض والانتكاس.
أعراض سرطان الأطفال
تختلف بين نوع وآخر بحسب موقع الإصابة، ففي حالة سرطان الدماغ يعانى المريض تقيؤاً وخللاً في التوازن وآلاماً في الرأس ونوبات صرع. وفي حالة سرطان الدم تكون الأعراض فقراً في الدم ونزفاً وآلاماً في العظام والتهابات متكررة. وبالنسبة إلى سرطان الغدد اللمفاوية يلاحظ تورم في العنق. ويشار إلى أن الأهل في هذه الحالات يلاحظون الأعراض مباشرة عند الطفل وبالتالي يستشيرون الطبيب في وقت مبكر. أما في حالة سرطان البطن، فنادراً ما يلاحظ الورم في بداية المرض. وفي حالات كثيرة يصل الأطفال إلى المستشفى وهم في مرحلة متأخرة من المرض، بحيث لا يعود العلاج مفيداً.
الوقاية من المرض
لكن هل يمكن الوقاية من هذا المرض الخبيث. تقول منظمة الصحة العالمية إن الوقاية من سرطان الأطفال متعذّرة عموماً، ومن ثم فإن الاستراتيجية الأكثر فعالية لتقليل عبء سرطان الأطفال وتحسين الحصائل الصحية هي التركيز على تشخيصه فوراً وبدقّة ومن ثم إتاحة علاج ناجع مسند بالبينات ورعاية داعمة مصمّمة خصّيصاً لهذا الغرض.
وتؤكد المنظمة إنه يمكن إدخال تحسينات كبيرة على حياة الأطفال المصابين بالسرطان عن طريق اكتشافه مبكراً وتلافي الرعاية المتأخرة، فعند تشخيص السرطان مبكراً، يرجح أن يستجيب المُصاب به للعلاج الناجع وتزداد بذلك احتمالات بقائه على قيد الحياة وتخفيف معاناته وتقليل التكاليف الباهظة لعلاجه وتخفيف وطأة العلاج في أغلب الأحيان، كما أن التشخيص الصحيح للسرطان أساسياً لعلاج الأطفال المُصابين به لأن كل نوع من أنواع السرطان يتطلب مقرّراً علاجياً محدّداً قد ينطوي على إجراء جراحة والعلاج بالإشعاع والعلاج الكيميائي.
ويتألف التشخيص المبكر من مكوّنات الثلاث التالية وعي الأسر ومقدمي خدمات الرعاية الأولية بالأعراض؛ تقييم المرض سريرياً وتشخيصه في الوقت المناسب وتحديد مرحلته (الوقوف على مدى انتشاره في الجسم)، إتاحة العلاج فوراً.