حوار

المهندس عبد العزيز حنفي رئيس مجلس إدارة (خيركم) لـ«البلاد»: الإخلاص والتخصص والإدارة العلمية مقومات نجاح العمل الخيري

حوار- البلاد

خدمة كتاب الله شرف عظيم ومسؤولية كبيرة لا ينهض بها إلا أصحاب الهمم العالية والنفوس الكريمة، وإذا صاحب ذلك علم دنيوي نافع وعمل مثمر وعطاءً و بر وإحسان في التعاملات مع الأسرة والمجتمع؛ يكون صاحب كل هذه الفضائل قدوة تستحق أن يُحتذى بها، وأن تقدمها وسائل الإعلام للأجيال الجديدة؛ من هذا المنطلق التقت “البلاد” مع خادم القرآن الكريم ـ وهو أحب الألقاب إليه ـ المهندس عبد العزيز بن عبد الله حنفي رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم (خيركم) بمحافظه جدة.

يشيد المهندس عبد العزيز بن عبد الله حنفي بالعمل الإنساني والخيري للقيادة- حفظها الله- داخل وخارج المملكة، كمركز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وجمعية مسك التي أنشأها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – ، ويرى المجتمع السعودي يحب الخير بطبعه، والفرص المتاحة للشباب للانخراط في العمل التطوعي، خاصة وقد تطور من السياق الفردي إلى العمل المؤسسي والاستدامة برؤية ومنهجية علمية، ويقطع بأن التخصص والإخلاص في العمل واستقطاب الكفاءات وإنجاز الاستطلاعات والأبحاث وتحفيز العاملين والتحالفات مع الجهات ذات العلاقة؛ هي مقومات نجاح العمل الخيري والإنساني، مؤسساته وجمعياته وأفراده، ويشير إلى أن أكبر تحديات العمل الخيري: عدم وجود أوقاف يعود ريعها على الأعمال الخيرية، وقلة الكوادر المتخصصة في مجال العمل الخيري، وعدم الالتزام والانضباط من بعض العاملين المتطوعين، وقلة حوافز ورواتب العاملين في الجمعيات الخيرية، ويقترح لضمان فاعلية الجمعيات الخيرية ونجاحها: وضع ضوابط للعمل الخيري في الجمعيات، والاهتمام بالكوادر البشرية ورفع كفاءتها، ووضوح أهداف الجمعية وخططها وبرامجها، وتسهيل الإجراءات الرسمية، والدعم الحكومي بكافة أشكاله، وتفعيل الدور الداعم للإعلام، ونشر الوعي العام بقيمة العمل الخيري والتطوعي، وترسيخ ثقافته، وإنشاء هيئات لتطوير العمل الخيري، وإقامة المؤتمرات المحلية والدولية لتبادل الخبرات وتفعيل دور الجمعيات وتطوير أدائها، وتوثيق الروابط بين الجمعيات وشرائح المجتمع المختلفة، والتكامل بين الجمعيات لتغطية احتياجات المجتمع، وبينها والجمعيات المحلية والعربية والعالمية، وإنشاء قاعدة بيانات خاصة بالعمل الخيري.

وينوه المهندس عبد العزيز بن عبد الله حنفي إلى أن تجربته في العمل لمدة عامين مديرًا عامًا لمؤسسة البلاد للصحافة والنشر، كان لها جوانب إيجابية، مؤكدًا أن لكل عمل تحديات وعقبات تواجهه، ولا بد من تجاوز هذه التحديات والعقبات بتضافر الجهود، والتخطيط السليم، وانتهاج طريقة العمل المؤسسي الجاد المثمر؛ وإلى التفاصيل:

• البدايات
يتذكر المهندس عبد العزيز حنفي البدايات حينما بلغ الخامسة من عمره وصدم بوفاة والده ــ يرحمه الله ــ وتغيرت الظروف في حياته، وأدرك مرارة فقد حنان الأب، وعوضته والدته ــ يرحمها الله ــ الكثير من هذا الحنان، وكانت تنقله إلى حلقات الذكر وهو طفل صغير وتضعه في آخر الصفوف، حياءً أن تقترب من صفوف الرجال، ثم تعود لمصلاها، فيقوم المكيون بحمله وإجلاسه في المقدمة، تكريماً لها ومن ثم أحسن الاستماع وحفظ القرآن الكريم ولله الحمد.
ويضيف أن والدته نذرت حياتها لأبنائها، ورفضت الزواج بشكل قاطع رغم صغر سنّها، وضحّت بحاجاتها الشخصية في سبيل تحقيق احتياجات أبنائها، وهو ما عزّز الروابط العاطفية بينه وبينها، وكانت نظرتها عن التعليم ثاقبة وتقدر مدى أهمية استكماله لتعليمه والوصول معه إلى أبعد مستوى في التعليم.
وتواكبت مراحل تعليمه بين حفظ القرآن الكريم بحلقات الذكر والتحاقه بالمدرسة الابتدائية حيث أكملها بنجاح، ومن ثم انتهى من المرحلة المتوسطة، وكان لزاماً عليه السعي نحو البحث عن فرصة عمل في موسم الحج لكسب بعض المال، ليعينه على قضاء حاجياته في باقي العام، وتفوق في نهاية المرحلة المتوسطة، وأكمل تعليمه الثانوي وحصل على الثانوية عام 1964م، ولرغبته في دراسة الهندسة التحق بجامعة “NMSU” في مدينة لاس كروسيس بولاية نيو مكسيكو وحصل منها على درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1969م.

• الحياة العملية
وفور حصوله على البكالوريوس عاد للمملكة وبدأ حياته العملية بشركة أرامكو السعودية، بمركز الأبحاث والتنمية الصناعية، كمسؤول عن المناطق الصناعية في المملكة حتى عام 1974م، حيث اتجه بعد ذلك للعمل ‏في القطاع الخاص، وأصبح عضوًا بمجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة من 1982م إلى 1990م، ثم أمينًا عامًا للغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة وتبادل السلع من 1991م إلى عام 1994م، وعين قنصلًا فخريًا لجمهورية المالديف عام 1993م بموافقة ملكية كريمة.

• العمل الخيري
كانت بداية نشاطه في العمل الخيري إبان مرحلة دراسته للهندسة المدنية في ولاية نيومكسيكو عام 1967م، وقتها كان رئيسًا للجمعية الإسلامية في فرع الجامعة، وكان لكل منطقة جمعية خيرية إسلامية، وكان الدافع لمشاركته في الأعمال الخيرية هو حب الخير والرغبة الصادقة في نفع الناس، تقلد قيادة عدّة جمعيات خيرية، وعمل رئيسًا للجنة أصدقاء المرضى والعلاقات العامة بالغرفة التجارية الصناعية بجدة، وعمل نائبًا لرئيس جمعية إبصار الخيرية للتأهيل وخدمة مرضى الإعاقة البصرية، ورئيسًا للجنة المقاولين بالغرفة التجارية الصناعية بجدة، ورئيسًا لمجلس الآباء بمجمع الثغر بالخالدية في جدة، ونائبًا للرئيس للجنة أصدقاء المرضى بالغرفة التجارية الصناعية بجدة، وعضوًا فاعلًا في عدة جمعيات ومنظمات خيرية، وقد أحدث نقلة كبيرة في جمعيات حفظ القرآن الكريم من خلال جمعية “خيركم”.

• الصدفة.. وجمعية “خيركم”
كان انضمامه للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة (خيركم) عن طريق الصدفة، بدعوة كريمة من رئيس الجمعية آنذاك الشيخ أحمد جمجوم – يرحمه الله – وبدأ مشرفًا ثم عضوًا بمجلس الإدارة، فرئيسًا للجمعية، وحاول تطبيق تجربته الشخصية التي تلقاها في كتّاب “سته خديجة” وهو طفل صغير، ونجحت الفكرة بعد أن وجدت معارضة في بادئ الأمر من بعض الزملاء في الجمعية، وكانت حلقات التحفيظ في “خيركم” نواة لتخريج أجيال كثيرة من المؤذنين وأئمة المساجد، بعضهم أصبحوا أئمة في المسجد الحرام، مثل: الشيخ عبد الباري الثبيتي، والشيخ الدكتور صلاح باعثمان ، والشيخ نبيل الرفاعي، والشيخ عبد الله بصفر إمام وخطيب مسجد الشعيبي وأمين عام هيئة القرآن والسنة في رابطة العالم الإسلامي، فكل هؤلاء تخرجوا في جمعية (خيركم)، وهم نواة تفتخر بها جمعية “خيركم” المباركة.

 

• تحفيظ القرآن الكريم
المهندس عبد العزيز حنفي، يحمد الله كثيرًا، على تمدد حلقات تحفيظ القرآن الكريم في كامل أرجاء الوطن، وتنوعت حلقات “خيركم” مع تطور العصر الحديث من خلال إنشاء منصة إلكترونية لتعليم القرآن عن بُعد، وتلقي أحكامه وقواعد تجويده في أي وقت ومكان عبر منصَّة خيركم للتعليم عن بُعد، ودائمًا “خيركم” سبّاقة لمواكبة التطورات التي تطرأ في وسائل المعرفة، ملبية لمتطلبات تعليم القرآن الكريم لكافة الفئات العمرية.

• دور المملكة
ويقول إن العمل الخيري لا يُذكر في أي بقاع العالم حتى نجد أن للمملكة دور كبير في تأسيسه ودعمه ونجاحه، فالمملكة ولله الحمد لها تاريخ طويل في هذا المجال منذ توحيدها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز – طيّب الله ثراه –، وآخر تلك المبادرات البيضاء هي مركز خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والذي يقوم بأعمال جليلة داخل الوطن وخارجه، يشهد له القاصي والداني، وهناك جمعيات وهيئات كبيرة تقوم بجهود جبارة في هذا المجال، ومن اهتمامات الدولة إقامة جمعية (مسك) التي أنشأها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان – حفظه الله – وهي تقوم بجهود عظيمة في مجال العمل الخيري، ولم تقتصر على ذلك بل تعدّته إلى تطوير الشباب والشابات وتأهيلهم في عدة مجالات، ومنها أيضا جمعية (إنسان).

• الشباب والعمل التطوعي
ويؤكد أن المجتمع السعودي يحب الخير بطبعه، والفرص المتاحة للشباب للانخراط في العمل التطوعي كثيرة منها تعليم القرآن الكريم ورعاية الأيتام ومساعدة الفقراء والمعوزين ورعاية المعوقين جسديًا وعقليًا وبصريًا، وهذه الأعمال تساعد الشباب في تهذيب النفس وتقويم السلوك، وتحقيق النفع العام للمجتمع، والعمل الخيري في المملكة تقوم بتبعاته الجمعيات الخيرية بشتى مجالاتها وأهدافها، لكنه يشكو من بعض جوانب قصور بعضها عام تنطوي تحته المنظومة الخيرية بأكملها، وبعضها خاص ومتفاوت من جمعية لأخرى، ولكن الجمعيات الخيرية الناجحة هي التي تضع الخطط البديلة، ولا تتأثر في حال وقوع الركود الاقتصادي بشكل كبير.

• مقومات النجاح
ومن خلال تجربته الطويلة، يحدد المهندس عبد العزيز حنفي المقومات التي تجعل الجمعيات الخيرية ناجحة ومبدعة في عملها، ومن أهمها أن تكون متخصصة في مجالها وتعمل على تطوير هذا المجال بالتعرف والاطلاع على أبرز التجارب الناجحة للعمل الخيري في العالم ، واستقطاب الكفاءات والمبدعين في هذا المجال، وكذلك عمل استطلاعات وأبحاث يقوم عليها متخصصين لمعرفة أنجع السبل في المجالات المختلفة كالمجال التقني والمالي والإداري والإنتاجي والتعليمي، كما أن تحفيز العاملين يجعل منهم متبنين لها وولائهم عالي، كما أن التحالفات مع الجهات ذات العلاقة وتوقيع الشراكات مع الجهات المتميزة في أعمالها يقود المؤسسات إلى الرقي والتطور، ومما يعين على هذا الإخلاص في العطاء والعمل، كل هذا يطور العمل الخيري من السياق الفردي إلى المنظومة المؤسسية وإلى الاستدامة برؤية ومنهجية علمية.

• وصايا
ويوصي الشباب المنخرط في العمل الخيري بـ (3) وصايا مهمة: الإخلاص في العمل، اختيار الشاب ما يوافق ميوله النفسية ورغباته، الالتزام والانضباط.
وهنا يلفت النظر إلى أن بعض المتطوعين يظن أن له مطلق الحرية في الحضور أو التأخر، وهذا غير صحيح، فمن يعمل في العمل الخيري، ولو كان متطوعًا، عليه أن يلتزم بمواعيده، وأن يؤدي واجباته على أكمل وجه وأتم صورة فالالتزام مهم جدا في العمل الخيري، بل في كل حياة الإنسان العملية.

• تحديات
ويواصل بأن هناك تحديات كثيرة لمسها خلال سنوات طويلة من العمل الخيري ومنها:
عدم وجود أوقاف يعود ريعها على الأعمال الخيرية، ونحن مع الأسف في جميع البلدان العربية والإسلامية ليس عندنا إدراك كبير بأهمية وجود أوقاف خاصة بالعمل الخيري، بينما نجد أن الغرب لديهم اهتمام بهذا المفهوم، وقد استفادوا كثيرا من هذا الباب، وأنشأوا أوقافا تسمى (ترست)، بل إن جميع الجامعات الكبيرة توجد لها أوقاف تنفق عليها بمليارات الدولارات.
قرارات الدولة بالنسبة للجمعيات الخيرية من ناحية تنظيم دورها وصلاحياتها وما إلى ذلك.
قلة الكوادر المتخصصة، التي لديها خبرة في مجال العمل الخيري، ولا نجد من المتخرجين من الجامعات ما يناسب العمل في هذه الأعمال الخيرية، وكان أقرب تخصص للعمل في المجال الخيري هو: علم الاجتماع.
عدم الالتزام والانضباط من بعض العاملين المتطوعين. قلة حوافز ورواتب العاملين في الجمعيات الخيرية، على أساس أن العمل خيري، وهذا غير منصف؛ لأن من يعمل في العمل الخيري لديه التزامات أسرية، ويحتاج أن ينفق على نفسه وأهله، وهو قد تفرّغ للعمل الخيري فلابد من إعطائه حقوقه كاملة حتى يعمل وينتج.

• مقترحات للفاعلية والنجاح
برؤية ثاقبة يضع المهندس عبد العزيز حنفي مقترحات لضمان فاعلية الجمعيات الخيرية ونجاحها:
وضع ضوابط للعمل الخيري في الجمعيات، ضوابط عامة تتناسب مع النظام المؤسسي الخيري بصفة عامة، وضوابط خاصة تتناسب مع طبيعة المؤسسة وتوجهها وأهدافها وبرامجها والآليات الموضوعة لتنفيذ هذه الأهداف والبرامج.
الاهتمام بالكوادر البشرية التي تقع عليها مسؤولية تحقيق أهداف الجمعية، بتوظيف الكفاءات الجيدة وبرامج للتدريب ودورات لتحسين الأداء.
توضيح أهداف الجمعية وخططها وبرامجها.
تسهيل الإجراءات الرسمية والتقليل من القيود الروتينية.
الدعم الحكومي بكافة أشكاله المعنوية والمادية.
تفعيل دور الأعلام في التعريف بالجمعيات وربطها بحياة الناس.
نشر الوعي العام بقيمة العمل الخيري والتطوعي، ووضع تشريعات لزيادة فعاليته وزيادة الإقبال عليه.
ترسيخ ثقافة العمل التطوعي بشكل واسع، ووضع سياسة وآلية للاستفادة من كافة أفراد المجتمع الراغبين في العمل الخيري، وخاصة ذوي الخبرة والمتقاعدين والأكاديميين، وإقامة دراسات حول أسباب انصراف البعض عنه، وإيجاد حلول لذلك.
إنشاء هيئات ذات صلاحيات معينه تهتم بتطوير العمل الخيري، ومده بما يحتاج إليه من مشورات ونتائج دراسات.
إقامة المؤتمرات المحلية والدولية لتبادل الخبرات وتفعيل دور الجمعيات وتطوير أدائها.
الربط بين الجمعيات المحلية والعربية والعالمية التي تعمل في نفس المجالات ولها نفس الاهتمامات والأهداف واستحداث وسائل لذلك.
إنشاء قاعدة بيانات خاصة بالعمل الخيري.
توثيق الروابط بين الجمعيات وشرائح المجتمع المختلفة، مسؤولين رسميين وعلماء ووجهاء وتجار وإعلاميين وتربويين، وغيرهم.
التكامل بين الجمعيات بحيث تغطي الاحتياجات العامة للمجتمع بكل تنوعاتها.
القيام بزيارات ميدانية للمدارس والجامعات للتعريف بالجمعيات وأنشطتهـا ودورها في التنمية المجتمعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *