اجتماعية مقالات الكتاب

اقتلهم بحسن التعامل

في إحدى الجلسات الشبابية، طرح موضوع المدراء السيئين للنقاش. لكل منا قصته المختلفة التي واجه فيها بعضنا مدراء سيئين في رحلتنا العملية. هناك من قرر ترك وظيفته درءاً للمشاكل والبعد عن الاستنزاف النفسي في موجهة إنسان سيئ. وهناك من قرر المواصلة من باب التحدي وعدم الهروب من المواجهة. وقد تختلف درجات السوء في التعامل، وهذا يعتمد على حظك.

أكثر ما لفت انتباهي خلال النقاش، قصة ذلك الصديق الذي عانى ويلات الظلم وسوء التعامل على يد مديره السابق. كان يحكي القصة تلو القصة، ويذكر تفاصيلها الدقيقة، ماذا قال له؟ وكيف رد عليه، وكيف تعرض للإيذاء والاضطهاد. ورغم مرور سنوات عديدة، قال إنه لا يمر يوم دون أن يفكر فيه ويدعو عليه، إلى درجة أنه تمنى أن يراه يموت أمامه، وأن هذا سيشعره بالرضا. شعرت بالحزن عليه وكنت أتساءل، كيف يعيش يومه وهو ما زال يتذكر شخصاً أساء إليه قبل سنوات؟

من السهولة أن نكون لطفاء مع أناس أحسنوا إلينا، لكن الكثير منا يجد صعوبة كبيرة في حسن التعامل مع أناس أساءوا إليهم، لأنهم لا يستحقون ذلك. هناك مثل إنجليزي يقول، “اقتلهم بحسن التعامل”، وليتنا نطبقه. عندما نعامل من أساء إلينا بلطف وود، فإننا بذلك نقتلهم، نشعرهم بالخجل من تصرفاتهم معنا، والأهم من ذلك أننا نساعد أنفسنا، وأن نشعر بالسلام الداخلي.
رد الإساءة بالإساءة لا يساعد أحداً على الإطلاق، بل على العكس فهو يؤذينا. رد الإساءة بالإحسان هو دليل قوة وليس ضعفاً. وهذا لا يشمل العلاقة بين الموظف ورئيسه فحسب، بل بين الشخص وأخيه، أو قريبه أو أي غريب في الشارع.

وعلى صديقنا أن يتذكر أنه، وفي الوقت الذي كان يتذكر الإساءة بكل تفاصيلها، وإن مرت عليها سنوات كثيرة، واضعا نفسه في خانة التوتر النفسي، وتمنى الشر المكروه له، نجد أن من أساء إليه لا يتذكره، بل ولا يخطر على باله من الأساس، ويعيش يومه بشكل اعتيادي، بل وربما لا يتذكر اسمه. أمام هذه المعادلة غير المتكافئة، من الأفضل أن يعفو ويصفح ويركز على المستقبل، واضعا الماضي بكل ما فيه من جميل وقبيح خلف ظهره.

الطريقة التي نتعامل بها مع الآخرين، سواء أساءوا إلينا أم لا، هي اختبار شخصيتنا. ولن أحاول أن أكون فيلسوفاً هنا لأقول إن العفو لمن أساء إلينا سهل، بل هو من الصعوبة بمكان، والمحظوظ فقط من يستطيع. قال الله في محكم كتابه: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). اللهم اجعلنا من أولئك المحظوظين.

jebadr@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *