هي تلك المساحة التي تشعر فيها بالأمان المطلق حتى من نفسك. إن أردت ذلك، منطقة لا تجعلك تخوض ما ليس لك به علم، بل تحذّرك من الخوض فيما أنت به أعلم، منطقة تجعلك تنام بسلام، وتحيا بسلام وتموت أيضاً بسلام، “إيه الجمال دا” هل هناك ما هو أفضل من ذلك..؟ وعلى الرغم من روعة تلك المساحة، إلا أن علماء النفس وأصحاب التنمية البشرية يطالبوننا بتركها والخروج من حدودها، ومنهم من وصل إلى حد المطالبة بالفرار منها وعدم العودة إليها مجدداً، لم أجد في الفترة الماضية من ينصح بالبقاء فيها من باب توخي الحذر على الأقل، هل هي بتلك الخطورة؟ هل الموت بسلام كأي بني آدم عادي معضلة..؟ ولد عادياً.. وعاش عادياً.. وتزوج عادياً.. وأنجب عادياً.. ومات عادياً.. ألسنا جميعاً عاديين..؟
من الضروري قبل توجيه دعوة التحرر من التقوقع على النفس تلك.. أن نعطي المقدمين على تلبية الدعوة كتيب الإرشادات والتحذيرات، كتلك الكتيبات التي نجدها مع كل جهاز جديد نشتريه، حتى لا نسيء استخدام الجهاز، أو نؤذي أنفسنا، على الرغم من أن الكثير منّا لا يلقي بالاً لتلك الإرشادات من باب “العنترة” ويقع من جرّاء هذا الإهمال في المحظور، وأنا أولكم.
إذن الأمر يحتاج أكثر من مجرد كتيب، إنه يتطلب انتقاء الأشخاص المطلوب منهم مغادرة مساحة الراحة، وإن أمكن وضع اختبار قدرات كالتي يتكبد عناءها أبناؤنا – ولا تأتي بنتيجة سوى الإحباط على الغالب – وعلى من لم يجتز الاختبار إعادة المحاولة في أعوام مقبلة، لعل صرامة اختبار القدرات هي الأجدر في هذه الحالة من اختيارات لجنة التحكيم في برنامج سعودي إيدل، التي تميل للتعاطف وإدراج من أصابونا بالصداع ضمن المختارين في مرحلة تجارب الأداء، لن أخوض فيما لا أعلمه.. قد تكون سياسة البرنامج هي المساهمة في إخراج عدد أكبر من مساحته، تضامناً مع الفكر السائد بأن نخرج جميعنا، ونبقى في الخارج.. في هذه الفترة من الزمن.. حيث الأجواء الجميلة والسحب المحملة بالمطر لا مانع من البقاء في الخارج، فليس هناك ما يريب، إلا لو تحولت السحب إلى غيوم داكنة، وأمطرت مطراً غزيراً، فأجرت المياه لتصبح سيلاً جارفاً، في تلك اللحظة ستتمنى أنك لم تخرج من دائرتك، بل قد تغير عنوانك إلى مساحة أخرى لا يعرفها طبيبك النفسي أو مرشدك الشخصي، حتى لا تعيد الكرة مجدداً..
وتستمع لنصائحهم الفذة التي جعلتك تتبتل قليلاً.. أو كثيراً، المهم أنك نجوت من الانجراف في سيل لا تعلم أين سيقف، مع أنه وفقاً للدراسات الجغرافية التي تعلمناها في المدارس، فإن منطقة الوقوف ستصبح أرضاً خصبة ومنطقة مزهرة، تماماً كما أزهرت جدة بعد المطر لتصبح الدنيا ربيعاً والجو بديعاً.
(وقفلي على كل المواضيع).. حتى هذا.
eman_bajunaid@