اجتماعية مقالات الكتاب

معطيات العصر وأكبر تحديات الأجيال

نحن في زمن ثورة التقنية وأكبر التحديات التي تواجه الأجيال اليوم، ولعل أبناء جيلي ومن هُم في عمري تمنُّوا وهُم على مقاعد الدراسة، أن يعيشوا هذه المعطيات المعاصرة، ولا أذهب بعيداً إذا قلت، وإلى وقت قريب إبان مرحلة الدراسات العليا، كُنَّا في ذهاب وإياب بين مدينة جدة ومكة المكرمة، وفي مرحلة لاحقة بين مدينة جدة والمدينة المنورة، وزملاء آخرون بين جدة ومدن أخرى، في رحلات مكوكية في نهاية كل أسبوع إلى جامعة القصيم، وغيرها من الجامعات التي فتحت أبوابها لطلاب وطالبات الدراسات العليا، يقطعون مئات الكيلومترات جواً وبراً بين مدن المملكة، التي فتحت جامعاتها، وهيأت هذه الأجواء العلمية، في أرقى صور الدراسة النظامية، ولكنها مُكَلِّفَة ومرهقة، وعلى حساب ارتباطات وظيفية وأسرية وعلاقات اجتماعية وحضور مناسبات وأفراح وزيارات عائلية، وغيرها من الأمور التي يُحرم منها من ضحُّوا بأوقاتهم وراحتهم، لتحقيق أهدافهم والحصول على درجات علمية أكبر مما ظفروا به من قبل لتطوير الذات.

ونحن نتآلف مع تقنية العصر ونتعايش مع مخرجاتها وبيئاتها، فأصبح طلاب هذه المراحل الدراسية في كافة مدن المملكة، ومنها العاصمة الرياض، يستطيعون التواصل بأساتذتهم في الكليات التي يتلقون فيها تعليمهم عن بُعد، في لندن أو واشنطن أو موسكو أو طوكيو أو بكين، في داخل حدود الوطن الأغر، بين أهاليهم وأفراد أسرهم، سألت ذات يوم أحد أساتذتي في كلية التربية بجامعة أم القرى، “هل حقق التعليم عن بعد أهدافه وغاياته؟”، كان صريحاً معي لأبعد درجات الصراحة، نعم، ولكن لطلاب الدراسات العُليا فقط، والسؤال ذاته تشرفت بتوجيهه لإحدى الأكاديميات بذات الجامعة، لم أستأذنهما بذكر اسميهما في هذه المقال، فكان جوابها صاعقاً بأن الحضور لجميع المراحل الدراسية الأكثر جودة وفائدة.

وبدوري احترم الرأيين لما لصاحبيهما من مكانة كبيرة لدى مجتمعهما وطلابهما وعموماً هما في سن التقاعد، وتجاوزا العقد السابع من عُمريهما، فعقبال العُمر المديد لهما ولمن بلغ هذه المرحلة العُمرية، مرحلة يزداد فيها الإنتاج الفكري والعطاء المجتمعي، لأننا مجتمع أعتاد أن يجعل لكبير السِّن ما يستحقه من المكانة والتقدير، ونحمد الله أننا مجتمع يُقدِّر كباره، وينظر لهم نظر الاعتزاز، هكذا كانت وما زالت تربية الأجيال، ومهما كانت المتغيرات في عصرنا اليوم يبقى تمسكنا بتلك القيم والأخلاق الموروث والملاذ الآمن لنا ولأبنائنا وأحفادنا، وأمام هذه المؤثرات التربوية والاجتماعية، أتساءل ونحن في ظل هذه التقنيات المعاصرة هل تمَّت الاستفادة كاملة على مستوى الأسرة والمجتمع والمؤسسات التعليمية.

abumotazz@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *