جوانزو، مدينة التجارة والسياحة الصينية المبهرة، تذخر شوارعها بالأناقة والجمال، والمباني الشاهقة المصممة بإبداع هندسي رفيع المستوى، والأشجار الباسقة بزهور متعددة ألوانها، وحدائق غناء منسقة أمام المباني وفي الأحياء، واللوحيات الجدارية والرسوم التشكيلية منتشرة في كل مكان، إلى جانب المجسمات التي تنم عن عبقرية مصمميها ومنفذيها، تجعلك تقف أمامها مشدوهاً لبساطة فكرتها وعمق إبداعها.
أما نهارها مشمس يكاد أن يكون حارقاً، وأجواء ليلها لطيفة، وتحيط بك الأنوار المتلألئة من كل اتجاه، بل يغمرك ضوؤها وألوانها من فوقك وتحتك ومن أمامك وخلفك، إضاءاتها مرسومة بريشة فنان مبدع في اختيار أساليب الإضاءة وأدواتها وألوانها والأشكال التي ترسمها.
هذه المدينة تجعل من نهارك قوة دافعة للعمل والإنتاج، وتحول ليلك إلى أعياد وأفراح، تغمرها ألوان الإضاءة المدروسة بعناية، وتسمع خرير مياه النوافير التي تنبع بين ممرات المشاة على الأرصفة، والشلالات الاصطناعية وعربات مزينة وملونة تنثر الروائح المعطرة في الشوارع كي تخلق أجواءً مريحة للنفس، وتخفف عنها معاناة النهار، وترى عربات أخرى تغسل الأشجار برذاذ الماء.
وباختصار شديد هذه المدينة تعتبر نموذجاً مدروساً لإيجاد الأجواء المحابية (للمزاج الجمعي أو العام) والذي يتصف بالهدوء والسكينة والراحة النفسية لسكان المدينة وزائريها.
رأيت أن تكون هذه مقدمة لمقالي عن أهمية دراسة وتصميم الصورة الذهنية للمدن بأساليب علمية وقريبة من متطلبات النفس البشرية لسكان المدن.
هذا ويجب ألا ننكر أن للشمس وسطوعها فوائد جمة صحية ونفسية ومزاجية على البشر، إلا أن تخطيط المدينة والحرص على شكل المباني بطرق إبداعية مبتكرة، بالإضافة إلى الحدائق والمناظر الطبيعية والصناعية ومساحات الفضاء الفسيح، تلعب دورها في مظهر المدينة نهاراً.
أساليب إضاءة المدينة ليلاً بشوارعها ومبانيها ولوحاتها الإعلانية لا تتم عشوائياً، بل تنطلق من فكر واستراتيجية وصورة ذهنية مرسومة، مطلوب إيصالها إلى سكان المدينة، حيث لا يقتصر مفعولها وأثرها على الجمال والشكل والعمق، بل لها تأثير أشد وأقوى على سيكلوجية وكيمياء الإنسان، وبالتالي ينعكس ذلك إيجاباً على صحته ورفاهيته وإيقاع حياته.
وأخيراً، جدة مدينة محظوظة، لأنها ستولد مجدداً، على أيدي مخططين ومصممين ومهندسين ومنفذين مبدعين تفوق التوقعات كلها وفق رؤية 2030.