اجتماعية مقالات الكتاب

تناسخ الأشباح

نعيش بعالم أشبه ما يكون بتناسخ الأشباح، وتنافر الأرواح لدرجة يصعب فيها التفريق بين ليلى وسلمى من جهة والتوفيق بين عبلة وشمة من جهة أخرى. الجميع متشابه من الخارج متنافر من الداخل، وهذا ليس وصفاً لبسكويت مغطى بالويفر، في إعلان رديء على قناة عربية إنه شيء متعلق بالأرواح والأجساد الجميع مصاب بالداء ذاته إنه الهوس يا سادة هوس الجمال والكمال ولأنني من أصحاب الظهور النادر لست من هواة الحضور للمناسبات الاجتماعية، فلقد صدمت بكمية تشابه الأفراد فيها، بل إنني قمت بإلقاء التحية على شخصين ظناً مني أنهم شخص واحد لوهلة شعرت أنني كائن فضائي يحضر وليمة، لماذا يبدو الجميع بلا تعابير وبلا تجاعيد مهلاً؟ أين اختفى الشيب؟ ماذا عن السيد لغلوغ؟ هل قطع علاقته بالفتيات؟

ولماذا تبدو خالة مزنة أصغر من حفيدتها أنين عفواً وتين؟ ولماذا تدير أحلام السيدة الأربعينية مجموعة كل أعضائها من جيل الألفينات نفس الملامح والضحكات المصطنعة الثياب نفسها كما لو كانت من خزانة واحد أو شُحنة واحدة حتى الفن الهابط وجد جمهوره اخيراً.. تمعنت في ملامح الموجودات، ووجدت أنهن يخرجن من العيادة ذاتها الشفاه المزمومة والعيون المرتسمة للأعلى كما لو كانت تستعد للتحليق والأنوف المقصوصة الوجوه المعدلة بشكل هندسي والشفاه المكتنزة والأصوات المختنقة بفعل التدخل الجراحي والجسد المنحوت بمقص الطبيب ووصلات الشعر والأظافر الأشبه ما تكون بمخالب ملونة حتى طريقة المشي تكاد تكون تقليداً أعمى لأعضاء مملكة النمل كل شي هنا قابل للاحتفال إلا الحقيقة،

لقد ظلت حبيسة هيئتي وملامحي المتبلدة ومحاولاتي في رصد الاحتمالات التي تدفع هذا العالم المجنون للانغماس في سطحيته المفرطة، ولم أجد جواباً شافياً إلا أن يكون عشماً وهمياً في الأبدية أو سعياً عبثي نحو فكرة الإنسان الخارق أو إرضاء المرايا وإقامة علاقة حب مع شبح أصفر في طريقه لابتلاع حقيقتنا ومصادرة حقنا في أن نبدو حقيقيين جداً وقبيحين جداً وبلا فلاتر، فعلاً ما الذي يتسابق لأجله هؤلاء وهل الإصابة بحمى الأنوف التي اجتاحت عالمنا العربي فور استيقاظه من غيبوبة كورونا هي السبب، ما يقتصونه من ملامحهم وأجسادهم يسقط تلقائياً من عقولهم، دون أن يشعروا أياً كانت الأسباب، فهي ليست مقنعة بما يكفي للتخلي عن حقيقتنا وهيئتنا التي خُلقنا عليها بأحسن تقويم أياً كان الاستنساخ الذي يروج له هؤلاء الأشباح، فيجب محاربته والتصدي له إن كان هناك عقلاء لم يجرفهم بعد تيار الحماقة، فيجب محاربة هذا النمط من أساليب الحياة بالتدخل الثقافي الفوري طمعاً في حماية أجيالنا القادمة وبناء جيل سليم من الخواء الروحي الذي يدفع لتبني كل هذا الزيف والنهوض بجوهر الإنسان الذي بدا من الواضح أنه بدأ في الاندثار والتراجع مقابل سلطة الشكل وهيمنة الجسد المنحوت وبريق الفلاتر.

Amna7mad@

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *