اجتماعية مقالات الكتاب

الدبلوماسية الإنسانية وحوار الحضارات

احترام الرأي والاختلاف معضلة وإشكالية زمانية كانت وما تزال ترافق البشر في مشروع بناء الحضارة الإنسانية، فالكثير من الخلافات والأزمات والحروب كان أحد أهم أسبابها عدم وجود ثقافة الحوار وقبول الرأي الآخر، ورغم أن عملية الإثراء الثقافي والعلمي ومقياس تطور المجتمعات والشعوب تقوم على ثقافة اختلاف الرأي، إلا أن انغلاق العقول يجعل من الاختلاف خلافًا يضعف المجتمع.

وفي الوقت الذي تتباين فيه المجتمعات في الثقافات والأعراق والأجناس والمعتقدات والقوميات نجد أن سردية صراع الحضارات تطغى على الساحة بوصفها أسطورة راسخة في الخطاب الثقافي، لكنها مستندة على ثنائيات زائفة لم تنجح في تهشيمها حتى العولمة وتكنولوجيا الاتصالات.

وهذا كله يلقي بظلاله على عمل الدبلوماسية الإنسانية، ويقع على عاتقها القيام بسردية مضادة هي سريدة (حوار الحضارات) الذي يعد من صميم عملها على المستوى الدولي، وهنا ستتجاوز الدبلوماسية الإنسانية الحدود الدولية إلى الحدود الحضارية، فلن تكون همزة الوصل بين دولتين أو حلفين أو طائفتين، بل ستكون همزة الوصل بين حضارتين أو عدة حضارات، لتقوم بدورها الذي يهدف إلى تكريس التسامح والتفاهم لخدمة هذه المجتمعات المتباينة حضاريًّا لتعيش بسلام وكرامة في وحدة إنسانية مشتركة.

ويمكن القول إن الجهود الدولية للدبلوماسية الإنسانية لحوار الحضارات بدأت منذ أن بادر بفكرة الحوار بين الحضارات المفكر الفرنسي روجي غارودي الذي دعا إلي تأسيس أرضية للتفاهم بين شعوب الأرض، وذلك من خلال كتابه الذي صدر عام 1977م تحت عنوان: (من أجل حوار بين الحضارات)، وفي هذا الإطار نذكر تبني المنظمات الدولية لفكرة الحوار بين الحضارات وفي مقدمتها منظمة اليونسكو، حيث عقدت ندوة عالمية تحت عنوان: (من أجل التضامن و ضد التعصب وفي سبيل حوار بين الثقافات) في 1995م، وصدر عنها في العام التالي كرَّاسٌ بعنوان: (لقاء بين الحضارات: صراع أم حوار؟)، وقد صدر عن الجمعية العامة قرار يقضي بتبني المشروع المقدم، ودعت الحكومات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة إلى وضع برامج ذات صبغة ثقافية وتعليمية واجتماعية لتعزيز مفهوم الحوار عبر الحضارات.

ونؤكد في النهاية على أنه يجب على المنظمات الدولية والجهات الناشطة في مجال الدبلوماسية الإنسانية أن تعي جيدًا أنه لن يكون هناك وئام بين الحضارات دون الاعتراف بقيمتي العدل والإنصاف، ودون القبول بحق الغير ، وإذا كانت قيمة العدل بهذه المنزلة في الحوار بين الحضارات فإن هذه القيمة تفترض تجاوز الذات والأنانية القومية، وهذا التجاوز لايحصل في إلا بإشاعة قيم التضامن والتعاطف والأخوة الانسانية.

* رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالمنظمةالعربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *