الكثير من المنظرين في حقل العلوم السياسية كانوا يتوقعون تقلص عدد النزاعات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة ، بسبب زوال أسباب هذه النزاعات التي كانت قائمة خلال نظام ثنائي القطبية ، أي في ظل الصراع ما بين كيانين كبيرين سيطرا على مقدرات الدول ردحًا من الزمن، غير أن العكس هو الذي حدث، حيث ارتفع عدد النزاعات بشكل كبير، وهذه النزاعات لم تأخذ الصورة النمطية المتمثلة في النزاع ما بين الدول، بل ازداد عدد النزاعات الداخلية وتنوعت طبيعتها ما بين حرب أهلية و نزاعات اثنية، والأهم أن هذه النزاعات ليست داخلية بمفهومها العام، بل هي داخلية المكان ودولية الأطراف بسبب تشابك مصالح الدول وخاصة الكبرى وعلاقتها بهذه النزاعات.
وهذه النزاعات ارتبط تشعبها بمتغيرات عديدة ظهرت بعد نهاية الحرب الباردة، كاحترام حقوق الإنسان، إلى جانب تحول في بعض المفاهيم، ومن بينها مفهوم الأمن، وقد ارتبطت هذه التحولات في مفهوم (الأمن والتدخل الإنساني) ببروز متغيرات على جميع المستويات سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو غيرها من المتغيرات أثرت فيها، حيث أصبح الأمن الإنساني أهم المحاور التي تقوم عليها التدخلات الإنسانية في النزاعات الدولية، وذلك من منطلق حماية حقوق الإنسان، ووقف انتهاكاتها سواء بالتدخل المباشر أو عبر وسائل أخرى.
فالتدخل لم يعد يقتصر على الدول فقط، بل أصبح للمنظمات غير الحكومية والدولية دورًا كبيرًا في عمليات التدخل في النزاعات الإنسانية من أجل حماية الأفراد وفق منظور الأمن الإنساني، خاصة أن النزاعات الحالية تخلف عددًا كبيرًا من الضحايا سواء أثناء النزاع أو بعد نهايته، وهذا ما يمكن ملاحظته على أرض الواقع، حيث نجد أن المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال الدبلوماسية الإنسانية أصبحت أكثر فاعلية من الدول والمنظامت الحكومية بسبب تعقيد الإجراءات والمسارات، وكذا تشابك المصالح الدولية.
لكن ينبغي القول إن دور المنظمات غير الحكومية لا يكفي وحده للعمل على تحقيق (الأمن الإنساني) على المستويين المحلي والدولي، بل يتطلب الأمر تكاملًا مع الدول والفواعل الأخرى من أجل وقف وتقليل النزاعات الدولية، ويستلزم تكاتفًا من كافة المؤسسات والمنظمات التي تعلم في مجال الدبلوماسية الإنسانية، حتى تؤتي الجهود أكلها، ولا تتلاشى في ظل اتساع رقعة النزاعات والكوارث التي تهدد الأمن الإنساني.
* رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالمنظمةالعربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر.