في الإطار العام يسعى الناس للتفاضل والتنامي والترقي في كافة شؤون الحياة وهو سلوك بشري يتسق مع فطرة الله التي فطر الناس عليها والتي تنشد الأفضل على الدوام.
وفي مجال التعليم ينتشي الشعور بالتفرد بين المتعلمين ويصبح الطالب في حالة من الزهو حينما يكون ذا علم موثوق وملكة معرفية معتبرة بل ومرجعا للمعلومة المتخصصة والمعارف، فيكون بذلك قريبا جدًا من الرقي الجميل الذي ينعم فيه بقول الحق “يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات”.
هذا الاندفاع الفطري الجميل نحو التفرد يفسده الانسان حينما يوظف له أدوات توصله اليه عن طريق التنافس مع الآخرين من منطلق النصر أو الهزيمة ومنطلق الناجح والأقل نجاحا ومنطلق المتفوق وغير المتفوق فيتحول كامل المشهد الى ما يشبه حلبة للمصارعة أو معركة بين طائفتين ينتظر فيها العالم ما ستسفر عنه نتائجها ليفاخروا بمن فاز ويواسوا أو ينالوا ممن أخفق.
هذا التحول التراجيدي في تنامي المعرفة وتطورها من خلال ما يسمى ” المنافسة التعليمية ” كلف العالم كثيرًا دون أن يعلم. كلفة الاحباط الذي جعل شخصا في الترتيب الثاني يؤمن أنه أقل حظا بمراحل من زميل له في المرتبة الأولى بسبب درجة او اثنتين. وكلف العالم كثيراً حينما يعتقد البعض أن الناس لا تذكر سوى الشخص المتوج عوضا عن أن تتذكر الشخص العاشر في ذات الاداء ولو كان الفارق بينهما بضع درجات.
حينما يسود هذا الفهم المفترس للمنافسة التعليمية سيكون العالم أمام طابور طويل جدًا من المحبطين والمكتئبين والبائسين الشاعرين بالذنب بسبب تغول مفهوم المنافسة واستشراء مصطلح الهزيمة وستكون اخفاقاتهم المستقبلية بمثابة الضربة القاضية في جولة الملاكمة الشرسة بين خصمين يريد كل واحد منهما أن ينال من منافسه.
علموا طلابكم أن المنافسة الحقيقية هي تلك التي ينتصرون فيها على اسوأ صفاتهم. علموهم أن الفوز الحقيقي يأتي حينما يهزم الطالب أعتى ما بداخله من قوى الكراهية والحقد والكسل والتخاذل والغش، وليست تلك التي يخلقها في فؤاد زميله بسبب فوزه عليه في ذات المنافسة. ذكروهم أن الجميع منتصر والجميع رابح وأن الجميع كأفراس الرهان التي تنتظرها الدنيا لتنعم بإنجازها وتحتفي ببطولاتها وتتوج فرسانها. فقط علموهم.
linguist_abdul@yahoo.com