اجتماعية مقالات الكتاب

الدبلوماسية الإنسانية ومبدأ العالمية

انطلاقًا من وصفها بأنها (إنسانية) تم صوغ المبدأ الأول للدبلوماسية الإنسانية بأنها (إنسانية) الهدف والغاية، فلا يوجه عملها سوى الرغبة في إغاثة الإنسانية عمومًا؛ الجرحى في ميدان القتال، والفقراء في الدول التي ترزح تحت أغلال الفقر، والمنكوبون في مناطق الكوارث، والمتأثرون بكافة الظروف القاسية التي أثرت سلبًا في حياتهم. كل هذا من أجل جعل الحياة الإنسانية تظهر بشكل أفضل، حيث تسعى المنظمات العاملة في هذا الميدان بصفتها الدولية والوطنية إلى تدارك وتخفيف معاناة البشر في كل الأحوال، وتعمل على حماية الحياة والصحة وضمان احترام الإنسان، كما تشجع على التفاهم والصداقة والتعاون وتحقيق سلام دائم فيما بين جميع الشعوب، مما أسبغ عليها صفة الإنسانية في مفهومها الأول والرئيس.

وقد أدى وصف هذه الدبلوماسية بصفة (الإنسانية) وكون مبدأ الإنسانية هو المبدأ الأول من مبادئها – إلى صوغ مبدأ آخر لا ينفصل عن هذه الصفة، وهو مبدأ (العالمية)، فالإنسان- بوصفه محل ومجال العمل الإنساني – موجود في كل الدول على وجه البسيطة؛ وتعتريه الأزمات على اختلافها وتنوعها، فلا تكاد بقعة يقطنها مجموعة من البشر تخلو من الأزمات والكوارث التي تعكر صفو الحياة الإنسانية، وتجعل الإنسان عرضة لكافة الأمراض الجسدية والنفسية؛ وترتب عليه أن كل بقعة على مستوى العالم تنتظر الأيادي البيضاء التي تمسح بلمسة حانية على رؤوسها لتزيل أثر النوائب.

ومن هنا اتسمت أعمال المنظمات والجمعيات التي تعمل في مجال الدبلوماسية الإنسانية بأنها حركة عالمية النطاق، لا تعرف الحواجز بين الدول، ولا تعترف بالحدود الإقليمية بين القارات، فالكرة الأرضية عندها دولة واحدة، تظلها مظلة واحدة هي مظلة الإنسانية، فكانت بذلك إنسانيةَ الهدف، عالميةَ المكان والميدان.

فأينما كان هناك فقر وفاقة وعوز وجوع ولاجئ ومحروم تجد تلك الأيادي البيضاء موجودة، ولها الدور الرئيس في المساعدة وتقديم الدعم، هي مأثرة إنسانية تشكل أساسَ وجودها، وعنوانَ القيم التي قامت عليها، يدها الحانية دائمًا ممدودة بالخير والعطاء والدعم لكل محتاج وملهوف.

وقد ترتب على غرس بذور الخير في شتى بقاع المعمورة انطلاقًا من مبدأ (العالمية) أن هذه الحركات والمنظمات الإنسانية باتت تحصد المحبة والتقدير والاحترام؛ فهي محل تقدير لدى كل حكومات وشعوب العالم؛ ذلك أنها تتابع وترصد وتدرك دورها الإنساني العالمي، ولا يتم النظر إليها إلا أنها ركيزة لبناء السلام، وترسيخ التعايش بين البشر، وتقديم العون للمستضعفين أينما كانوا، من دون تمييز في اللغة واللون والعرق والمعتقد، مع الاحترام للمبادئ الإنسانية الأساسية التي وردت في شرعة حقوق الإنسان.

* رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالمنظمةالعربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *