اجتماعية مقالات الكتاب

البحث والأكل من إناء واحد!

تقوم البحوث على الفكر وتنتشي بالسجال والحجج والتفكير ما وراء المألوف، وهذه الأمور مجتمعة لايمكن بحال استقاؤها من عقل واحد، ولا من فكر منعزل عن بقية الأفكار!

لذلك فإن واحدا من أكثر ماينصح به خبراء الدراسات العليا والإبداع والموهبة أن ينوع الطلاب والباحثون والمقبلون على المعرفة مشاربهم المعرفية، ففي التنويع إطلاق للفكر ليكون صاحبه في ما يشبه البستان العامر؛ ينتقي منه مايروق له وفقا لمحددات الحاجة والذائقة والتطلعات!

ولأن الدراسات العليا انفجرت عالميا لتغطي كل دول المعمورة ، ولأن المحدد الجغرافي لم يعد قياسيًا في طلب العلم، بل توزع ليشمل كل قارات العالم فإن الانفتاح على الطريقة الفكرية لتلك المدارس بتنوعها المثير أصبح ضرورة ملحة وحاجة قائمة لكل من ينوي تكوين قاعدة معرفية ذات طابع عالمي منفتح على كل الاحتمالات!

ولايكفي بحال – وهذا ما أردده دومًا – أن يكون الأستاذ الجامعي المصدر الأوحد لتشكيل الشخصية البحثية لطلابه، بمعنى أن يلزم طلابه بمنهج فلسفي بحثي معين أو أدوات بحثية مختارة وفق توجيهه أو حتى التعاطي مع تدفق الأطروحة للماجستير والدكتوراه تبعًا لأسلوب واحد ينظر إليه المشرف على أنه لايقبل التعديل أو التحويل أو حتى مجرد المناقشة!

هذه الممارسات الأحادية تجاه المعرفة لاتصنع دومًا نتائج مبهرة، ولا تقدم دومًا طرق مبتكرة، ولا تؤطر دومًا لمنتج عالمي الهوية يخدم الإنسانية المتعطشة للعلم في مشارق الأرض ومغاربها؛ بل إنها تقزم الاتساع البحثي وتنقد المدارس الموازية وربما تدخل في الجانب المتحيز الذي هو الأسفين الأقدر في إغراق سفن ومراكب؛ بل وأساطيل العمل المعرفي!

وبشكل عملي فإن العمل مع طلاب الدراسات العليا لابد أن يتسم بقدر كاف من قبول الأراء المختلفة وربما المعارضة، كذلك فإن قبول فكرة التنوع في إجراءات الدراسة وعدم إلزام الطالب بمنهج وآلية واحدة جزء أصيل من أجزاء رحلة الدراسات العليا، التي يجب أن يؤكد عليها في مجالس الأقسام والكليات بل وفي عمادات ووكالات الدراسات العليا والمجالس العلمية المتخصصة في الجامعات الحكومية منها والخاصة

لايكفي أن ينوع الأستاذ الجامعي في أسلوبه نظريًا، ولايكفي أن يؤكد قبوله للاختلاف بل إنه مطالب عمليًا من خلال جامعته وكليته باستدراج نماذج دولية لهذا الغرض عن طريق لقاءات شخصية أو افتراضية تقدم من خلالها لطلبة الدراسات العليا طرق أخرى للتفكير، ونماذج مغايرة للتأمل، وأساليب غير شائعة في محيط الدراسة المحلي للنقد والتساؤل وتحدي الأفكار !
الشرب المعرفي من إناء واحد غير صحي بتاتًا فهو تدوير لذات العقل حتى يتحجر فلايكاد يستسيغ غيره، وهو تصغير للملكة الذهنية هائلة الإمكانات حتى تصبح أشبه بمفاعل كبير لايوجد وقود لتشغيله وهو قبل هذا وذاك على خلاف تام مع الطبيعة الإنسانية، التي تألف وتؤلف في سائر أمورها ومنها في مجال الحالة الإنسانية الأولى والأهم وهي العلم والمعرفة!

linguist_abdul@yahoo.com‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *