اجتماعية مقالات الكتاب

الدبلوماسية الإنسانية وشمولية المكان

صحيح أن الدبلوماسية الإنسانية تمارسها الجمعيات والهيئات المتخصصة في المجال الإنساني، ولكن يبقى للدول ومراكز القرار تأثيراتها الإيجابية في تذليل الصعاب أمام المنظمات الإنسانية سواء كانت وطنية أو دولية لتؤدي الأدوار المنوطة بها على أكمل وجه؛ وذلك نظرًا لاتساع دائرة عملها، فهي لا تقتصر على بقعة أو دولة أو إقليم أو قارة، بل تشمل أنشطتها واهتماماتها كل جنبات البسيطة.

أي أن (الشمولية في المكان) من أهم ما يميز ميدان الدبلوماسية الإنسانية، فهي – حسب الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر – تهدف إلى حشد القدرات وتعزيز الشراكات بين مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع المدني المحلي والمجتمع الدولي لأجل تلبية احتياجات الضعفاء والمحتاجين في كل مكان. وتأكدت أهمية دور الدبلوماسية الإنسانية في العقدين الماضيين، حيث شهد العطاء الإنساني تحولات استراتيجية كبيرة شملت الإنسان والبيئة والجغرافيا بل وكل مكونات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والفكرية والثقافية.

ومع هذه التحوّلات تطوَّرت الدبلوماسية الإنسانية إلى عمل مؤسسي يحظى بحضور مشهود على الساحة الدولية، وأصبحت هذه الدبلوماسية ثقافة مهنية تتبناها مؤسسات وجمعيات النفع العام الراقية على مستوى العالم، حيث شهد قطاع العمل الخيري والإنساني بروز مؤسسات عابرة للقارات غطت خدماتها قارات العالم كافة، ليس في مجال خدمة البشر فحسب، بل في خدمة الحضارة الإنسانية، وأصبحت الدبلوماسية الإنسانية بهذه الشمولية تبدو كمشروع حضاري عملاق يهدف إلى دعم التوازن الحساس لنظم البيئة بغرض الحفاظ على النوع الإنساني والأنواع الحيوانية والبيئية بما يحقق التوازن البيولوجي ويدعم استمرارية الحياة على كوكب الأرض.

وبهذا يصبح عطاء الدبلوماسية الإنسانية لا يعرف الحدود الجغرافية والحواجز العرقية والاختلافات الثقافية، وأصبحت سبَّاقة في حشد الموارد وجمع قوى العالم الخيِّرة لتتحمل مسؤوليتها الأخلاقية في التحرك السريع والفاعل لتخفيف معاناة البشر في كل نواحي المعمورة، وتنوعت مجالاتها وميادين عملها ما بين تعزيز فرص التعليم الأساسي للأطفال في الدول النامية، إلى معالجة مئات الألوف من البشر الذين يعانون من الأمراض المختلفة، إلى سقيا ملايين الناس في بلدان قريبة وبعيدة، إضافة إلى صلة الأيتام والقُصَّر لتصبح الدبلوماسية الإنسانية بهذه الشمولية في المكان أو ميدان العمل نموذجًا عالميًا للتراحم والتماسك والتآلف بين جميع فئات المجتمع.

* رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالمنظمةالعربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *