اجتماعية مقالات الكتاب

جيل اليوم

كنت أتحدث مع ابني عن أهمية استهلال افطار رمضان بالتمر كون هذا الأمر مندوبا اليه شرعًا وموصى به كذلك طبيًا لأن السكر الموجود في التمر مفيد جدًا وسريع الامتصاص والتمثيل. تقبّل مني ” ملهم ” الفكرة الشرعية ورمقني بعين باسمة حول المعلومة الصحية قرأت فيها تلميحه لي أنه طالب بكلية الطب.

عادت بي تلك الابتسامة العابرة لولدي التي كنت أرجو منها اقناعه أن التمر أفضل من الحلويات المصنعة الى طفولتي أنا ورفاق المرحلة ونحن ننتظر مجيء مؤذن قريتنا الصغيرة قبل أذان المغرب برمضان وبيده تمر يوزعه على الصبية ” الصائمين ” كمكافأة وتشجيع لهم ليستمروا في هذه الممارسات الدينية والرجولية المبكرة.

 

كنا نحلف للعم محمد كل مغرب أننا صائمون وكان يبتسم لأنه يعلم أننا كاذبون فلا يمكن لطفل قبل سن المدرسة أو في بداية مراحلها أن يمارس اللعب المستمر كامل اليوم والصيام الطويل في نفس الوقت، ورغم كل ذلك كانت ابتسامته بالنسبة لنا نوط انجاز من العيار الثقيل.

الشاهد أن انفعالات الناس وان بدت متشابهة إلا أن الزمن كفيل دوما بمراجعتها وتحليلها وتنقيحها واضافة ما يلزم لها من عناصر تواكب الزمن الذي تظهر فيه فابتسامة من جيل قبل أكثر من أربعين عامًا ستختلف عن مثيلاتها من جيل أتى الى الدنيا متزامنا مع ولادة الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وسلاسل الامداد.

لذلك فإن الأجيال المخضرمة التي تعودت على “قولبة ” المشاعر ووضعها في كبسولات محددة لا تخرج عنها وتقديمها كنصيحة للأجيال التي تليها ستتعب كثيرًا حينما تجد أن مفاهيم السعادة والحزن والغضب والارتياح والانطواء والجدية والهزل وغيرها وإن كانت بنفس الاسم إلا أن أماكن توظيفها ستظل متباينة بحجم تباين الأجيال ومختلفة بقدر الهوة ما بين حيل لعب بالحجارة وآخر يلعب بال PS 5.

وحول هذه المعاني والصراعات فإن الروائي الانجليزي الشهير George Orwell لم يكن مخطئا حينما تنبه لهذا الاقتتال الفطري فقال ” كل جيل يرى أنه أحد ذكاء من سابقيه، وأكثر حكمة ممن سيأتون بعده ” في دلالة على أن الإنسان قد يتنازل عن بعض مكتسباته إلا عقله الذي يراه أعظم مكاسبه! بيد أن مواطنه الذي سبقه بقرن من الزمان ” المعمدان ” Charles Spurgeon كان أكثر منه حكمه حينما أكد أن ” كل جيل يحتاج لإعادة تأهيل ” وذلك لتنساب الحياة بشكل أكثر تقبلًا وتعايشا ونفعًا.

نحن اليوم مطالبون أكثر من أي وقت مضى لتقبل ابنائنا وبناتنا ومن هم في دائرة مسؤوليتنا من الجيل الديناميكي المعاصر أكثر من أي وقت مضى مع جرعات تساعد في ردم الهوة بيننا وبينهم مع التأكيد الدائم لهم أن مصدر نصيحتنا لهم ليس قوة معرفتنا مقارنة بهم بل فارق العمر وتنوع التجارب وقبل هذا وذاك عاطفة الحب وطوق الحنان الذي نحمله لهم طالما أننا نعيش بينهم.

linguist_abdul@yahoo.com‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *