جيمس جوردن، ريتشارد ويليامز، أنتوني هاميلتون.. شخصيات فريدة، شغوفة، ثائرة، صنعوا رموزاً رياضية تاريخية حية. آمنوا بالمستحيل في ظروف مستحيلة، واخترقوا حواجز الظروف بالتمرد على أصنام الفقر والحاجة، وحافظوا على ضوء الأمل متوقداً حتى آخر ساعة. هؤلاء هم رجال الظل الخفي، هم المضامير الممهدة والمصابيح المحترقة والسلال العالية التي أظلّت على مواهب أبنائهم وبناتهم حتى تجذرت ونمَت وتفوقت. هم وسواهم مجرد آباء وأمهات حالمين، يقامرون بحياتهم كل يوم من أجل حُلمٍ جريء وأمنيةٍ صادقة تُزرع في المساء تحت الوسادة.
بزوغ نجم أسطورة كرة السلة الأمريكية مايكل جوردن، والأختين ويليامز ورجل المليار دولار لويس هاميلتون لم يكن وليد الصدفة. هذه الأيقونات التاريخية حصيلة أعوام من الكد والحرمان والصبر وكثير من الحب والإيمان والفكر.. نمت وترعرعت تحت سقف بيت صغير حتى تشكلت وانطلقت. فصافرة البداية تطلق في المنازل قبل الملاعب!
مؤشرات الاستثمار الرياضية تشير دائماً بأسنّتها تجاه التركيز على اكتشاف وتطوير المواهب السنية، ولكنها تغفل بعض الشيء الاستثمار في الممكنات، في البيئة، في الحاضنات الأولى للموهبة، في العائلة. فمن أجل أن يربوا في البيت بطل، وجب تعزيز بيئة وثقافة رياضية صحية، تكون النظام الداعم للموهبة للتميز والابداع. فمهما كانت للموهبة بوادر مبشرة، فلن تزهو إلا إن وجدت ثقافة منزلية رياضية مشجعة وروحا قتالية باسلة تعافر الصعاب للوصول والتحقيق. وأعني بالثقافة هنا، التجسيد الفعلي لمفهوم الرياضة صحياً، وفنياً وتعليمياً حتى تصبح الرياضة نمطاً حياتياً مؤصلاً في هوية الأسرة والمجتمع. دراسة بحثية قدمتها جامعة ولاية أريزونا الأمريكية أكدت على أن التجربة الرياضية الإيجابية للأطفال في الأعمار السنية الدُنيا تساهم بشكل فعلي في تحفيز الإنجاز، وتعزز الهوية والثقة الذاتية، وتطور المهارات الفنية والقيادية.
الاتزان هو المنهج المنشود! فالإفراط في الدعم وتجاوز حدود المعقول في الضغط على الموهبة يُفقدها بريقها وينتزع عنصر المتعة الجوهري فيها. العديد من دراسات الصحة النفسية للأطفال أثبتت مدى تأثير الضغط النفسي الذي يمارسه بعض الآباء تجاه أبنائهم على المستوى الصحي والثقة بالنفس بدوافع الحرص والدعم المغلوط. فبالرغم من أن أندريه أغاسي كان المصنف العالمي الأسبق في لعبة التنس وبطل جراند سلام ثماني مرات إلا أنه في كتابه “Open” عبّرَ عن مدى كرهه الصامت للتنس بسبب ممارسات التسلط والإجبار القاسية من قبل والده خلال طفولته. مفهوم الدعم يبدو لي كسلاح ذو حدين، فالتمادي فيه قد يهدم والاعتدال فيه يشيّد ويبني. لذلك تذكر دائمًا أن المواهب هم في الحقيقة أطفال يعيشون المرحلة ويستمتعون باللحظة، والفوز والتحقيق ليس المراد والهدف، بل التعلم والتطور الهادئ الذي يحفظ جمال الطفولة وبهجة اللعب.