اجتماعية مقالات الكتاب

الاستقلالية في العمل الإنساني

سمو الهدف الذي يميز الدبلوماسية الإنسانية هو السر الأول في تقبل الجميع لسياساتها وممارساتها النبيلة على مستوى العالم، فهي تسعى إلى إقناع صانعي القرار والمسؤولين بالعمل لتحقيق مصلحة المتضررين من الحروب والأزمات والكوارث الطبيعية، بما يضمن احترام المبادئ الإنسانية الأساسية على وجه تام، وهي بذلك أداة من أدوات السلام ونشر المحبة لرفع المعاناة وتصفية الأجواء السياسية وتهدئة النفوس التي تحدث نتيجة الاختلافات السياسية، وكذلك لتلبية الحاجات الإنسانية الماسة للشعوب المنكوبة.

وللمحافظة على هذا التوجه الذي هو سر نجاح الدبلوماسية الإنسانية لا بد أن تتسم الدبلوماسية الإنسانية بالاستقلالية عن كل ما يمكن أن يحرف مسارها عن هذا الاتجاه؛ لذا يمكن القول إن الشرط الأساسي في العمل الإنساني هو ابتعاده عن التوظيف السياسي، والوقوف على مسافة واحدة من كافة البلدان التي يتم التدخل فيها لأغراض إنسانية، وينبغي أن يتحرك العمل الإنساني وفق متطلبات الواقع على الأرض، كما يتحتم على الدبلوماسية الإنسانية العمل وفق استراتيجية هادفة تضع أعمال الإغاثة وضمان حقوق الإنسان في مقدمة أولوياتها، وبهذا تؤدي الدبلوماسية الإنسانية مهمة نبيلة تسهم في ترسيخ الصورة الإيجابية للدول والجهات الداعمة وترفع من رصيدها المعنوي.

ولا نعني بالاستقلالية في عمل الدبلوماسية الإنسانية منع تدخل الدول في أعمالها بشتى أنواع التدخل، بل الممنوع هو التدخل الذي ينحرف بها عن مسارها الأول، فبالرغم من أن الدبلوماسية الإنسانية تمارسها الجمعيات والهيئات والمنظمات المتخصصة في المجال الإنساني، ولكن يبقى دور الدول مهمًّا في تسهيل مهام المنظمات الإنسانية، سواء كانت وطنية أم دولية وتأطير عملها نظاميًّا وقانونيًّا، وحمايتها من الاختراقات الأمنية والسياسية وما قد يشوب بعضها من فساد لتقوم بأعمالها كما ينبغي.

لكن حديثنا عن الاستقلالية مرتبط بواقع مؤسف، وهو استخدام بعض الدول الأزمات الإنسانية واستغلال الفئات ذات الحاجة الماسة للمساعدات ، وذلك من خلال التلاعب في طريقة الاستخدام المباشر للمساعدات الإنسانية لتحقيق أهداف عسكرية، مثل أن تقوم بحملة تطعيم مزيفة في دولة ما من خلال منظمة غير حكومية كان القصد منها إجراء فحص للحمض النووي للمستفيدين لغرض الوصول إلى موقع تواجد أحد أعدائها.
لذا نؤكد أنه ينبغي أن يكون مبدأ الاستقلالية في مجال الدبلوماسية الإنسانية متحققًا جنبًا إلى جنب مع مبدأ التضامن الدولي الخالي من أي توجهات خاصة لدولة من الدول.

* رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالمنظمةالعربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *