اجتماعية مقالات الكتاب

جائحة كورونا .. والدبلوماسية الإنسانية

كانت جائحة كورونا التحدي الأكبر منذ عدة عقود للعاملين في مجال الدبلوماسية الإنسانية نظرًا لعدم نجاة بقعة من بقاع المعمورة من ويلاتها من جهة، ولطبيعة الوباء المميتة غير القابلة للعلاج في بداية الأمر من جهة أخرى، استوت في ذلك الدول النامية والدول المتقدمة على السواء.

ولكن يبقى للدول ومراكز القرار تأثيراتها الإيجابية في تذليل الصعاب أمام المنظمات الإنسانية سواء كانت وطنية أم دولية لتؤدي الأدوار المنوطة بها على أكمل وجه، وبل تأطير عملها نظاميا وقانونيا وحمايتها من الاختراقات الأمنية والسياسية وما قد يشوب بعضها من فساد.

لكن في جائحة COVID-19 كان الأمر مختلفًا، فقد كان ميدان الدبلوماسية الإنسانية والقيام بأعبائها ومهماتها لمواجهة الوباء في هذه الجائحة منوطًا في المقام الأول بعمل الدول والحكومات والمنظمات الرسمية، لا بعمل المنظمات غير الرسمية، والسبب واضح ومفهوم أيضًا، فأي منظمة يمكن أن تتحمل مسؤولية أكثر من ستة مليارات نسمة في سبع قارات كلهم معرضون للإصابة بالوباء؟! هذا غير ممكن على المستوى المنطقي والواقعي على السواء.

لذا قامت الدول والحكومات والمنظمات العالمية وعلى رأسها «منظمة الصحة العالمية» بالدور المنوط بها للوقاية والعلاج معًا، وكذا دخلت القوى الدولية في سباق مع الزمن من جهة ومع الفيروس الذي لا يأبي إلا أن يتطور هو الآخر من جهة أخرى في إنتاج لقاح للفيروس، وهنا تُظْهِر إمكاناتُ الدول وقدراتها وجاهزيتها الفوارقَ الشاسعة بين القوى والشعوب في مواجهة الوباء، وكان حتمًا أن تقوم القوى الدولية الكبيرة ذات النفوذ التكنولوجي والسياسي والتي تتميز بالتقدم في الجال الصحي خصوصًا بدور الراعي الأول للدبلوماسية الإنسانية لرعاياها من جهة، وللدول الفقيرة النامية التي يمكن أن تقع فريسة سهلة لوباء ليس للرحمة في فلسفته مكانًا من جهة أخرى.

وبالفعل بدأت الدول التي نجحت نجاحًا ملحوظًا في مواجهة الفيروس بالقيام بحملات إنسانية على المستوى الدولي لتقديم معونات إغاثة ومساعدات لمختلف دول العالم، وفي هذا السياق، بدأ تداول مصطلحات مثل ( دبلوماسية الأوبئة – دبلوماسية الأقنعة – دبلوماسية قناع الوجه – دبلوماسية الفيروس – دبلوماسية المعونات…إلخ) وظهرت هذه المصطلحات في تحليلات الكتاب الغربيين بصفةٍ خاصةٍ، في إشارة إلى الاستخدام الجيوسياسي لهذه المساعدات من قبل بعض الدول؛ وذلك لكسب نفوذ ومكانة عالمية في بيئة دولية تتسم بالتنافس والصراع خاصةً بين القوى العظمى.

ومن هنا يظهر التحدي الأكبر والوضع الخاص للدبلوماسية الإنسانية حين تكون مقاليدها ملقاة – في المقام الأول – بأيدي الحكومات والقوى الدولية لا بأيدي المنظمات الإغاثية التطوعية، حيث يظهر التأكيد على أن تقديم المعونات والمساعدات الدولية والتي يُنظر إليها كأداة للقوة الناعمة، يستهدف تحقيق مصالح سياسية واقتصادية أو استراتيجية تبتغيها الدول المانحة، وهو مبدأ مستقر في العلاقات الدولية عندما نتحدث عن المساعدات التي تقدمها الحكومات، مما جعل جائحة كورونا تصنع وضعًا خاصًّا للدبلوماسية الإنسانية وتجعل مبادئها التي قامت عليها على المحك.

 

رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالأمانة العامة للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر – عضو المركز الدولي للدبلوماسية الإنسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *