اجتماعية مقالات الكتاب

تاريخ أوبئة وأقنعة

على مر التاريخ استعان البشر بأفضل وسيلة دفاع عن النفس وهي القناع؛ ففي القرن السابع عشر تم تطوير قناع يشبه رأس الطيور لحماية مرتديه من الروائح الكريهة المرتبطة بالطاعون؛ وسميّ مرتديّ القناع بطبيب الطاعون؛ فهو قناع مع عصا خشبية ارتداه الأطباء بأوروبا لمعالجة ضحايا الطاعون الدبلي وسمح لهم بفحص المريض دون الاقتراب أكثر من اللازم.
وفي القرن التاسع عشر ومع انتشار نظرية الجراثيم واكتشاف العلماء الجراثيم على جزيئات الغبار؛ قررت النساء الثريات في باريس ارتداء الحجاب لحماية أنفسهن من جزيئات الغبار في الشوارع المزدحمة.

أما في عام 1878 أوصى الأطباء بارتداء أقنعة قطنية وذلك للحد من انتشار الأوبئة؛ وهو ما أكده مقال نشر عام 1905 بعد نقله تجارب لقياس كمية بكتيريا المكورات العقدية التي طردها مرضى الحمى القرمزية أثناء السعال؛ فقد أوصى بضرورة ارتداء القناع من قبل الأطباء والممرضات أثناء العمليات الجراحية.
لكن في عام 1910-1911 ضرب الطاعون الرئوي بعض الدول بينها الصين والهند؛ الأمر الذي جعل الطبيب الصيني “وو لين تيه” المعين آنذاك من قبل المحكمة الصينية لرئاسة مكافحة الطاعون يكتشف بأن المرض ينتقل عن طريق الاتصال الجوي ووصف القناع بأنه جهاز وقائي يمكن ارتداؤه من قبل الجميع لحماية أنفسهم من الطاعون الذي سجل معدل وفيات بين 90-100%.

ثم الوباء الثالث الأشد فتكاً بالبشر والذي فقد فيه أكثر من 40 مليون شخص حول العالم أرواحهم بينهم 12 مليون بالصين والهند وحدها؛ وهو الإنفلونزا الإسبانية عام 1918؛ الأمر الذي أنشأ ممارسة تغطية الوجه بالأوشحة والنقاب بقصد الحماية من المرض خلال هذه الفترة بعد أن رجح انتقال الوباء عن طريق الطاعون الذي حملته تجارة المحيطات إثر نقل الناس والجرذان والبراغيث الموبوءة على متن السفن وتضررت منغوليا ومنشوريا كثيراً بذلك.

وفي عام 1923؛ أعقب زلزال كانتو الكبير باليابان؛ عاصفة نارية دمرت أكثر من نصف مليون منزل؛ وأدت أضرارها والتي لحقت بمفاعلات فوكوشيما إلى تسرب الإشعاع وتركت علي آثرها السماء مليئة بالرماد لأشهر؛ ما رفع إنتاج قناع الوجه وأصبح من الملحقات الأساسية لسكان طوكيو ويوكوهاما للحماية.
ومع تطور الأقنعة في عشرينيات القرن الماضي؛ أصبح القناع هو القاعدة الأساسية للحماية في غرف العمليات؛ وعلى مدى القرن التالي واصل الباحثون الطبيون تجربة التصاميم والمواد؛ وذلك من خلال وباء الأنفلونزا عام 1934؛ فقد كان المصابون يرتدون أقنعة لمنع انتشارها للآخرين؛ ومع الوقت أصبحت الأقنعة رمزاً للمجاملة الاجتماعية؛ ففي حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية أجبر تلوث الهواء الخانق خاصة في لندن البريطانيين على ارتداء أقنعة الضباب الدخاني.

لكن مع تطور الأوبئة الآن أصبح ارتداء القناع كممارسة ليس بالأمر الجديد؛ فهو مجرد ملحق بسيط يوفر حماية ميسورة التكلفة ضد فيروس كورونا الجديد ومتحوراته؛ لكنه ليس السبيل الوحيد للحماية فالفيروس يتطور بشكل ملحوظ لا تتصدى له الأقنعة؛ فبعض المتحورات تحارب الجهاز المناعي نفسه وهو أمر خطير يعمل العالم علي التصدي له بكل السبل الممكنة؛ وتظل الأقنعة هي الوصف الصحي العالمي لأداة مهمة تكافح الجائحة التي لا نعرف متي وكيف ستنتهي.

‎@Nevenabbass

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *