اجتماعية مقالات الكتاب

أجمل انتصار وأعظم قوة

كثيراً ما يحدث على طريق الملك عبد الله بالرياض حوادث سير بشكل شبه يومي وذلك بسبب مخرج الطريق الجانبي الضيق، ومنذ سنوات شاهدت الكثير من المواقف بين الأشخاص، فتجد المشاحنات والمضاربات، لكن في أحد الأيام حدث ما يستحق الحديث عنه ولم يحدث من قبل، حيث اصطدمت سيارة يقودها شابان في خطأ واضح بسيارة أخرى موديل جديد يقودها رجل مع مرافقيه يظهر عليهم كاريزما الوقار.

العجيب في الأمر أنه من المفترض والبديهي أن يعتذر المخطئ، لكن العكس صار، وأكثر من ذلك، حيث ترجل أحد الشابين، محاولا الاعتداء عليهم، لكن الرجل صاحب السيارة الأخرى، تعامل معه بحكمة وحلم، رغم مقدرته على الرد بالمثل وأكثر، فالحق معهم، لكنه تمالك نفسه في صورة عجيبة تظهر قوة الشخصية وبُعد النظر. في تلك اللحظة تدخل الجميع ممن كان قريبا من الحدث في محاولة للسيطرة على الموقف، وما هي إلا دقائق حتى وصل رجال الأمن، وتم القبض على الشاب المعتدي بعد التأكد من تجاوزاته غير المقبولة، المفاجأة في الأمر أن الرجل الآخر كان “مسؤولًا مرموقا”، وقد قيل في المثل ” الاصل الطيب كالمعدن النفيس، لا يتغير اصله ” وقد زاد في الجود صفحا وعفوا، فبعد إقرار الشاب بالخطأ أمام الدوريات، قام بالعفو عنه بطيب نفس، محذرا له من معاودة ما فعل. ليصبح ذلك درسا مباشر في الأخلاق.

إن المواقف تبين لك معدن الأشخاص، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ليس الشديد بِالصَّرْعَةِ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب “والمقصود بالشديد حقيقة والذي ينبغي أن تلتفت الأنظار إلى قوته وشدته هو من يملك نفسه عند الغضب، وأتذكر قول معاوية لعرابة بن أوس‏: ‏ بم سدت قومك يا عرابة قال‏: ‏ يا أمير المؤمنين كنت أحلم عن جاهلهم وأعطي سائلهم وأسعى في حوائجهم‏. ‏الترفّع عن مجاراة المخطئ، موقف الحلم دليل على شرف النفس، وعلو الهمة، فقد قال الحكماء: شرف النفس أن تحمل المكاره كما تحمل المكارم. وقد قيل: إن الله تعالى سمى يحيى -عليه السلام- سيداً لحلمه.

في الحكمة الروسية “أجمل انتصار هو انتصار المرء على غضبة” وأفضل من ذلك كلام الله: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين). ما أحوجنا في هذه الأيام لإشاعة خُلق الحلم والصفح في تعاملنا مع الآخرين، في عصر جنون الغضب الذي يطفئ نور العقل، يقول الشافعي:
يخاطبني السفيه بكل قبح وآبى أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة وأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا
Faheid2007@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *