اجتماعية مقالات الكتاب

أنسنة الرسائل الرسمية

تطالعنا يوميا رسائل رسمية من جهات حكومية أو خاصة، تتنوع في أهدافها من كونها توثيقاً إلى إخبار بقرارات او توجيهات معينة وقد توجه الى شخص معين محدد او مجموعة أشخاص او كيانات اعتبارية. وبالتأكيد ليست كل هذه الرسائل على نوع أو مدى موحد بل تتفرع الى الكثير من الأنواع، منها ما يكون مرسلا لجهة رسمية حكومية أخرى سواء في نفس الدولة او دولة اخرى، ومنها ما يكون لجهة اعتبارية كالمقاولين والموردين وغيرهم ، ومنها ما يكون موجها لشخص محدد لأي غرض كان. الجدية والرصانة سمتان غالبتان في لغة المراسلات الرسمية لكي توصل محتواها دون تأويل يحرفها عما يراد منها. تتدرج الجدية والرصانة تدرجاً يعرض أهمية مضمون الرسالة، فاللغة عالية الرسمية تعكس علو الأهمية وقيمة محتوى الرسالة، وكل ما قلت الرسمية كلما قل مستوى الأهمية وجديتها.

من الشائع في المخاطبات الرسمية التي تكتب باللغة العربية هو التزامها بمستوى واحد من الجدية والرصانة وبلغة ونسق موحد يندر أن تجد فيه اختلافا. وفي العالم الغربي تتدرج الرسمية حسب مضمون الرسالة وأهدافها والشخصية المرسلة له وغيرها الكثير. هذا التشكل والتنوع يعرض بشكل كفء نظرة الجهة الرسمية لأهمية محتوى رسالتها ويصنفها بشكل صحيح حتى وإن لم يكن مكتوباً، مما يضفي حيوية للرسالة ويحقق اهدافها عند المتلقي ويعزز ولاءه وتقديره للجهة المرسلة ويعكس مستوى الاحتراف الذي تتسم به.

من جميل ما يستشهد به هنا الرسالة المنتشرة عن اعتذار جامعة الملك فهد للبترول والمعادن عن قبول أحد الطلاب في برامج البكالوريوس، ومقارنتها بنفس الرسالة من جامعة محلية أخرى. كلتا الرسالتين تحملان نفس المضمون ونفس الهدف ومستقبلا الرسالة متماثلان، لكن رسالة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن كتبت بلغة راقية وإنسانية فيها توضيح للأسباب التي اضطرت الجامعة للاعتذار وفتح آفاق وتطلعات مستقبلية ورهان أن نجاح المعتذر له ليس مربوطا بظروف زمانية أو مكانية معينة. شوبت رسالة جامعة الملك فهد بشيء من الأنسنة فقللت وقع الصدمة على متلقيها وفتحت له آفاقا أرحب مما خسره لعدم توفر مقاعد. هذه الإنسانيات للأسف خلت منها رسالة الجامعات الأخرى التي بالتأكيد أوصلت نفس الرسالة ولكنها اكتفت بهذا القدر وتوقفت عن مراعاة مشاعر متلقيها. مدى رسمية الرسالة أمر مهم ينبغي ان تأخذه الجهات بعين الاعتبار في رسائلها، وأن تُحمل رسائلها بما يمكنها من المعاني الإنسانية السامية. كتاب المحتوى المبدعون يستطيعون ان يوفقوا بين مدى ودرجة الرسمية في الرسالة وما تحمله من مشاعر ومعاني انسانية تعزز مفاهيم إيجابية عن الجهة. ليس هذا الأمر حصراً على الرسائل والخطابات وإنما أيضا في عالم السوشيال ميديا والتفاعل والردود مع الجماهير فلكل مقام مقال يليق به.
e.dkil@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *