لطالما اتسمت كتابات دوستويفسكي بالكآبة والسوداوية لكنها أبدًا لم تتراجع يوما عن كونها حقائق ملموسة بالرغم من شدتها وأوجاعها إلا أنها وإن لم يكن كلها فبعض منها ملموسا بجوانب حياة كل واحد منا؛ وبين الجنون والاتهامات والإرهاق والتعب من ملاحقة المتربصين بالإنسانية، وجد تشايكوفسكي نفسه غارقًا في بحور من الاتهامات؛ منها ما ناله بشكل مباشر ومنها ما أجاز التعبير بأنه كان نوعًا من الانتقام الشرس لإنسانيته وحياته الخاصة لتدميره نفسيًا ومعنويًا.
بالعودة للحديث عن كتابات دوستويفسكي نجد أن أغلبها يجعل الأشخاص بائسين فكتاب “رسائل من تحت الأرض” عبارة عن صراخ طويل ضد الحياة استهدف فيه فلسفة التقدم والتحسين بالرغم من تضاد القصة في تسليط الضوء على أن المعاناة ستلاحقنا بلا شك في محاولة بائسة لتغيير الأشياء المؤلمة فقط وليس للقضاء علي المعاناة؛ ولطالما عمد دوستويفسكي في كتاباته على تقليل المسافة بين القارئ وبطل القصة كما فعل في “الجريمة والعقاب”، فقد صور البطل شخصا جذابا يجعل القارئ يحب بطل القصة ويتصور في البداية أنها حياته، وهي فكرة تراود الجميع بأن تكون شخصاً صالحاً وتفعل أشياءً سيئة وما تزال تستحق بعض التعاطف.
لا يختلف كثيراً تشايكوفسكي عنه فقد مزج في أعماله الشغف بالألم وهو ما تجلى بشكل أكثر وضوحاً في السيمفونية السادسة والأخيرة التي تضمنت العديد من أشكال السعادة والكآبة والحزن والفرح والألم ومن بين الأمور الأكثر حيرة في ذلك هي طريقة وفاة تشايكوفسكي بالنهاية؛ فمنهم من رجح بأنه توفي بسبب الكوليرا وهناك من أكد بأن وفاته كانت إجباراً على الانتحار؛ ولكن بين هذا وذاك لاحقت تشايكوفسكي العديد من التهم التي نالت منه بشكل شخصي بالرغم من أن قاموس نيو جروف للموسيقي والموسيقيين لم يذكر أياً منها وهو ما يجعلنا ننجح في نقل فكرة أن الإنسان الناجح دائما ما سيواجه قيوداً معيبة مأساوية أكثر من أي وقت مضي؛ وسيظل دائماً هناك عدد كبير من ضحايا الرسائل الفنية والأدبية العظيمة والمعقدة خاصة في العصور التي لا تعترف بالفكر الرحيم للإنسانية وتتمسك بشدة بأفكار اللامعقول والأنانية والجشع وهي كلها أمور مهما حاولنا بجهد كاف أن نتجاوزها لنصل للمثالية سنجد حقيقة أن رسمها يمكن أن يكون بسهولة ولكن تطبيقها يكاد يكون صعبا ومستحيلا.
Nevenabbas88@gmail.com
Nevenabbass@