الحل يكمن في الترميم وإعادة التأهيل ، وليس بالاستغناء والتخلي ، ومن العبث أن نقطع الأمل ونطلق الأحكام القاضية بالموت على انسان عجز أن يكون كغيره من الأصحاء ، وعن مراهق جنح عن سواء السبيل ، وعن عمارة تشققت جدرانها بفعل الزلازل والبراكين ، وعن أسر تشردت نتيجة الصراعات والتدمير ، ومن الخطاً ألا نصلح ما يمكن اصلاحه ، فما لا يدرك كله لا يترك جلّه . ويبقى الترميم هو خيار المصلحين وهواية المبدعين .
كثيراً ما نسمع عن مباني أثرية ومنحوتات هندسية قد تآكلت موادها وضعفت مقاومتها مع الأيام ، فهي وعلى الفور تحتاج إلى ترميم وإعادة تأهيل ، لتبقى على الدوام معلماً حضارياً يحكي للأجيال عن عظمة القدماء . هناك من الناس من تشوه جسمه نتيجة الحروق وغيرها من الكوارث البشرية ، فهو ولدواعي إنسانية بحتة ، يحتاج إلى عمليات تجميليه تعيد له ألقه ونبض روحه ، وهناك المراهق الذي فقد الانسجام الوجداني وصار عدوانيا، فهو وحتى لا يشعر بالنبذ والاهمال ، يحتاج إلى من يأخذ بيده ويرمم ما نقصه من حاجات واهتمامات ، وهناك الطفل الذي لجأ إلى الشوارع نتيجة الفقر وعنف الأهل ، فهو أيضاً يحتاج إلى من يعيد تأهيله ويشعره بالأمان الأسري فيصبح من الأسوياء .وهناك الأزواج الذين دبت الخلافات بينهم ، فهم بكل تأكيد يحتاجون إلى مساع حميدة تجد لهم الحلول وتجنبهم الوقوع في فخ الطلاق ، وهناك المخطوطات القديمة والكتب النادرة والوثائق الهامة التي اهترأت أوراقها نتيجة لعوامل البيئة والطبيعة وتراكم الفطريات، فهي أيضاً تحتاج إلى عناية فائقة حماية للتراث والذاكرة.
وهناك الدول التي دمرتها الحروب وقضت على إرثها الثقافي والعمراني فهي حتماً ستحتاج إلى معجزة اقتصادية تعيد إعمارها وترمم ما تبقى من أوابدها.
إن هذا المرمم النبيل ، صاحب الفكر الرشيق ، هو انسان سخر وقته وكرس علمه من أجل انقاذ ما يمكن انقاذه وغالباً ما يتميز بصفة العمل الدؤوب والصبر اللامحدود ، ولكن هل كل من خاض تجربة الترميم نجح في الأخير؟! ، فقد يزيد بعضهم في الطين بله إن لم يحسن التقدير ، وقد تفقد الأعمال الفنية ملامحها نظراً لعدم الاختصاص والاتقان ، وقد تتفاقم الأزمات بين الناس حين يتدخل لفض نزاعاتهم من تخونه الحكمة ويخذله الاسلوب . أما وقد بادر أحدهم ليجنب المجتمع الخراب ويحيي ما كان آيلاً للسقوط ، فيكفيه شرف المحاولة حتى ولو فشل . يقول المولى عز وجل: «فمن عفا واصلح فأجره على الله». صدق الله العظيم.