الإقتصاد

لتنويع الاقتصاد وجذب الاستثمارات

جدة – البلاد

منذ إعلان سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، عن إطلاق رؤية المملكة 2030، بتوجيه كريم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وموافقة مجلس الوزراء الموقر عليها في 25 أبريل 2016 والمملكة تحقق في كل عام إنجازاً تلو الآخر لتلبية تطلعات المواطنين وتوفير كل ما يلزم لبناء مستقبل واعد وبيئة إيجابية وجاذبة من خلال الاستغلال الأمثل للموارد المادية والبشرية التي تزخر بها. لقد حققت المرحلة الأولى من الرؤية نتائج ملموسة في محاورها الثلاثة، مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح، وهي محاور تتكامل وتتسق مع بعضها في سبيل تحقيق الأهداف وتعظيم الاستفادة من المرتكزات.

تركز الرؤية في محورها الثاني، الاقتصاد المزدهر، على توفير الفرص للجميع، عبر بناء منظومة تعليمية مرتبطة باحتياجات سوق العمل، وتنمية الفرص للجميع من رواد الأعمال والمنشآت الصغيرة إلى الشركات الكبرى وتطوير الأدوات الاستثمارية، لإطلاق إمكانات القطاعات الاقتصادية الواعدة وتنويع الاقتصاد وتوليد فرص العمل للمواطنين، وتخصيص الخدمات الحكومية وتحسين بيئة الأعمال، بما يسهم في استقطاب أفضل الكفاءات العالمية والاستثمارات النوعية، وصولاً إلى استغلال موقع المملكة الاستراتيجي الفريد. وتحتل المملكة مركزاً اقتصادياً مرموقاً، ويعد اقتصادها الأكبر في الشرق الأوسط ومن أكبر عشرين اقتصادًا في العالم كما تعد البيئة التشريعية فيها والمبنية على أفضل المعايير الدولية من أهم عوامل الجذب للعمل في المملكة، حيث شجعت رؤية 2030 بمشاريعها وتنوعها المؤسسات العالمية في التواجد بالمملكة. وتستهدف المملكة رفع حجم اقتصادها ليصبح ضمن المراتب الخمس عشرة الأولى على مستوى العالم، وذلك عبر إيجاد بيئة استثمارية جاذبة وتنويع اقتصادها، لرفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16٪ إلى 50٪ من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي ورفع نسبة مساهمة القطاع الخاص من ٤٠٪ وحتى ٦٥٪ من الناتج المحلي.
من جانب آخر تواصلت توقعات صندوق النقد الدولي لرؤية نمو الاقتصاد السعودي للعام الحالي والعام المقبل 2022 بدعم المحفزات الرئيسية للاقتصاد الكلي، إذ زاد من تقديراته لنمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي عن العام الحالي، وثبّت تنبؤاته لنمو الاقتصاد للعام المقبل.

وقد عزز تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في أبريل الماضي من رؤية نمو تعافي الاقتصاد السعودي بنسبة 0.3 في المائة عن التقديرات السابقة، وتحديداً الصادرة في يناير الماضي، حيث توقع الصندوق نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.9 في المائة العام 2021. مقابل تقديرات يناير الماضي البالغة 2.6 في المائة، بينما ارتأى تثبيت توقعاته بنمو الاقتصاد السعودي عن العام 2022 بنسبة 4 في المائة.
وهذا ما أكده محافظ البنك المركزي من أنه يتوقع أن يكون تعافي اقتصاد المملكة إيجابياً هذا العام، وكان الناتج المحلي الإجمالي قد حقق في الربع الرابع من 2020 نموا بنسبة 2.5% مقارنة بالربع الثالث من 2020.
وعزت الهيئة العامة للإحصاء السعودية ذلك إلى نمو القطاع النفطي بـ2.6% والقطاع غير النفطي بـ2.4% ، كما حقق القطاع الخاص نموا بنسبة 3.2% والقطاع الحكومي نموا بـ0.6%، وفقا لهذه المقارنة.
وأشار التقرير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي بلغ 697.6 مليار ريال في الربع الرابع من العام الماضي، وأسهم القطاع الخاص بنسبة 50.5% من الناتج المحلي بالأسعار الجارية، بينما سجل القطاع الحكومي مساهمة بنسبة 25.4 %، والقطاع النفطي 24.1%.

ضخ المليارات في الاقتصاد الوطني
وكان ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، قد أعلن أن صندوق الاستثمارات العامة الذي يرأسه سموه، سيضخ 40 مليار دولار سنويا في الاقتصاد المحلي خلال الأعوام الخمسة المقبلة حتى عام 2025، كما سيساهم من خلال شركات تابعة له في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بقيمة 1.2 تريليون ريال بشكل تراكمي، ويستهدف بنهاية 2025 بأن يتجاوز حجـم الأصول 4 تريليونات ريال، واستحداث 1.8 مليون وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر”.وبحسب الهيئة العامة للإحصاء فإن معدل البطالة في المملكة انخفض إلى 14.9 بالمئة في الربع الثالث من 2020، مقارنة بـ 15.4 بالمئة في الربع الثاني.

تحديات وتداعيات جائحة كورونا
منذ ظهور فيروس كورونا وتفشيه كجائحة عالمية ، اتخذت المملكة وبتوجيهات كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، حزمة من المبادرات المالية المبكرة ، للتخفيف من تداعيات الجائحة على الأنشطة الاقتصادية، فيما أكدت وكالات التصنيف الائتماني والمؤسسات المالية الدولية قوة اقتصاد المملكة واستمرار تصنيفها المتقدم رغم الأعباء الناجمة عن أزمة أسعار النفط وآثار الجائحة. وواجهت قيادة المملكة، الجائحة، بعزم وقوة ووضعت فيها سلامة وصحة المواطن والمقيم على رأس أولوياتها، والعمل بكل جهد على تأمين الاحتياجات الأساسية، وتوفير الموارد اللازمة لأنظمة الرعاية الصحية، مع تقديم الدعمين المالي والاقتصادي للفئات الأكثر تضرراً، ومراعاة إعادة ترتيب أولويات الإنفاق. ورصدت الحكومة أكثر من 200 مليار ريال لتخفيف آثار الجائحة على القطاع الخاص، وخففت من تداعياتها الثقيلة على كل الجوانب ومفرداته، في حين أن هناك مؤسسات خاصة، كالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، عانت بشكل أكبر، إلا أن جوانب الدعم المتعددة التي قامت بها الحكومة ، خففت من آثار الجائحة عليها التي استطاعت أن تجتاز الجائحة بأقل قدر ممكن من الأضرار على الاقتصاد.
وعلى الصعيد العالمي أكدت المملكة نجاحها في قيادة الجهود الدولية كرئيس لمجموعة العشرين الأكبر اقتصادا لمواجهة هذه الأزمة العالمية بتحدياتها وتعقيداتها ومستجداتها الصحية والاقتصادية التي أربكت العالم ، وقد تجلى النجاح السعودي في القمة الاستثنائية الافتراضية برئاسة خادم الحرمين الشريفين ، وتأكيده، حفظه الله، على ضرورة العمل الجماعي وتحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته لمواجهة الأزمة وتخفبف الأعباء عن الدول الفقيرة والأشد فقرا، كذلك الدعوة من جانب المملكة لسد الفجوة التمويلية لتطوير أدوات تشخيصية وعلاجات ولقاحات جديدة وتطويرها ، ومساهمتها في ذلك بمبلغ 500 مليون دولار.

الاقتصاد الرقمي
أطلقت اللجنة الوطنية للتحول الرقمي “سياسة الاقتصاد الرقمي” التي تساهم في تنمية الاقتصاد الرقمي في المملكة وتعريف القطاعين العام والخاص والمجتمع الدولي بتوجهات المملكة في الملفات ذات العلاقة بالاقتصاد الرقمي وضمان مواءمة توجهات الجهات الحكومية في سبيل تحقيق نمو اقتصادي متنوع ومستدام وإيجاد ميزات تنافسية للمملكة.
وتهدف سياسة الاقتصاد الرقمي لتمهيد ووضع خارطة طريق للجهات الحكومية والخاصة في المملكة لتسهيل الاستثمار في الاقتصاد الرقمي وإعلان توجه المملكة دوليًا في الاقتصاد الرقمي. كما ترتكز سياسية الاقتصاد الرقمي على 7 مبادئ أساسية وهي الوصول والتقنيات والابتكار ورأس المال البشري والرخاء الاجتماعي والشمولية والثقة في البيئة الرقمية وانفتاح السوق حيث تعزز هذه المبادئ من إيجاد بيئة رقمية استثمارية جاذبة.
وتركز سياسة الاقتصاد الرقمي على إعلان وجود بيئة محفزة للاستثمار في القطاع الرقمي في المملكة مما سيشجع القطاع الخاص على رفع نسبة الاستثمار في الأعمال الرقمية وتعريف الأفراد بالفرص والتحسينات التي ستوفرها سياسة الاقتصاد الرقمي في المملكة العربية السعودية وترسيخ حرص المملكة على توفير بيئة استثمارية رقمية جاذبة وشمولية بما يتواءم مع أهداف التنمية المستدامة بما يساهم في رفع تقييم المملكة في المؤشرات الدولية، وأخيرًا تعريف المستثمر الأجنبي بالرغبة الجدية للمملكة العربية السعودية لتوفير بيئة استثمارية جاذبة للأعمال الرقمية لرفع نسبة الاستثمار الأجنبي الرقمي. كما عملت المملكة من خلال مجموعة العشرين على تسخير جهودها لتمكين الاقتصاد الرقمي ومعالجة تحدياته من خلال تمكين القطاع الخاص من الاستفادة من الاقتصاد الرقمي وتحديد إطار عمل لاقتصاد موثوق يتمركز حول الإنسان.

اقتصاد المدن العالمية (الرياض نموذجا)
تستهدف المملكة وفق الرؤية أن تصبح العاصمة الرياض من أكبر 10 مدن اقتصادية في العالم بحلول عام 2030 وهذا ما أكده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ،في جلسة افتراضية في منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” الذي عقد في الرياض مؤخراً حيث قال:” إننا نستهدف أن تكون الرياض من أكبر عشر مدن اقتصادية في العالم، اليوم هي من أكبر أربعين اقتصاداً في العالم كمدينة، نستهدف في الرياض أن نصل من 7.5 مليون نسمة إلى ما بين 15 و20 مليون نسمة في 2030.
وتابع سموه:”وبما أن المدن تشكل 85% من اقتصاد العالم، فلذلك التنمية الحقيقية تبدأ من المدن سواء في الصناعة أو الابتكار أو في التعليم أو في الخدمات أو في السياحة وغيرها من القطاعات”.وأكمل: “بلا شك الاقتصادات العالمية ليست قائمة على الدول بل هي قائمة على المدن”.

وأضاف: “اليوم مدينة الرياض تشكل ما يقارب 50% من الاقتصاد غير النفطي في السعودية، تكلفة خلق الوظيفة فيها أقل 30% من بقية مدن المملكة العربية السعودية، وتكلفة تطوير البُنى التحتية والتطوير العقاري فيها أقل بـ 29% من بقية مدن المملكة العربية السعودية، والبنية التحتية في الرياض رائعة جداً بسبب ما قام به الملك سلمان فيما يزيد عن 55 سنة بإدارة مدينة الرياض والتخطيط لها”. كما أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في مارس 2019، برنامج الرياض الخضراء للمساهمة في تحقيق أحد أهداف رؤية المملكة 2030 برفع تصنيف مدينة الرياض بين نظيراتها من مدن العالم، فيما قال رئيس الهيئة الملكية لمدينة الرياض ، إن الحكومة ستستثمر 220 مليار دولار في مشاريع لتطوير الرياض على مدى الأعوام العشرة المقبلة. ويشتمل برنامج الرياض الخضراء، على زراعة أكثر من 7,5 مليون شجرة، في كافة أنحاء العاصمة، وهناك خطط أيضاً لإنشاء محميات ضخمة حوالي مدينة الرياض لتحسين الوضع البيئي للمدينة.

توطين التقنية
يمثل توطين التقنية في المملكة خطوة هائلة نحو التحول إلى اقتصاد المعرفة، حيث دعت رؤية المملكة 2030 إلى ضرورة توطين التقنية كأحد المستهدفات الاستراتيجية الكبرى للرؤية لما ستحققه من إيجابيات في تعزيز الاقتصاد، وتنويع أدواته، وتوفير فرص استثمارية جديدة في قطاع تقنية المعلومات والاستثمار في الاقتصاد الرقمي المعرفي كما أنشأت الدولة تماشياً مع الرؤية هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية.
وشهد القطاع الصناعي في المملكة تطورًا كبيرًا؛ بدعم سخي من القيادة الرشيدة، وبما يتوافق مع أساليب التطور بكل أشكاله؛ حيث سخّرت الدولة جهودها لدعم توطين الصناعات وتنميتها على عدة محاور أساسية، وشملت تلك المحاور، توفير البنية التحتية اللازمة، إنشاء المدن الصناعية بمختلف مناطق المملكة، ودعم المشروعات الصغيرة وتمويلها.
ويعتبر توطين الصناعات إحدى أسرع الطرق لتحقيق رؤية المملكة 2030؛ بحيث تصل في البداية إلى الاكتفاء الذاتي، ومن ثم إلى التصدير حيث أولت المملكة أهمية كبرى لتنمية توطين الصناعات السعودية، وقدّمت لها جميع وسائل الدعم والتشجيع، ونتيجة لذلك خطت خطوات كبيرة، وتمثل ذلك بصورة أساسية في التطوُر الذي شهدته الاستثمارات الصناعية.

الصناعات العسكرية
أدركت المملكة أن الأثر الإيجابي للتوطين لا يقتصر على مجرد تقليل الإنفاق العسكري فحسب والذي تشغل فيه المملكة مكاناً متقدماً حيث احتلت المركز الثالث عالميا خلال عام 2015 والرابع خلال عام 2016 وفقا لتقديرات المعهد الدولي لأبحاث السلام في استكهولم، مع الأخذ في الحسبان أن أقل من (2 %) من هذا الإنفاق ينتج محليًا، ويقتصر قطاع الصناعات العسكرية المحلي على (7) شركات ومركزي أبحاث فقط، ومن ثم هدفت الرؤية إلى توطين ما يزيد على 50 % من الإنفاق العسكري بحلول 2030، منطلقة في ذلك إلى العمل على البدء في تطوير بعض الصناعات الأقل تعقيدًا، ثم مواصلة هذا المسار وصولا إلى توطين معظمها، ثم الانتقال إلى دائرة الصناعات الأكثر تعقيدًا من خلال ضخ المزيد من الاستثمارات المباشرة في هذا القطاع، وبناء شراكات استراتيجية مع الشركات الرائدة، وإقامة مجمعات صناعية متخصصة وتدريب المواطنين في هذه الصناعات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *