ذكريات

هذه حكايتي مع السفير المختطف وهدية الرئيس الباكستاني

حاوره : مرعي عسيري

السفير الدكتور علي بن سعيد بن عواض عسيري كاد ان يصبح مجرد مزارع في قريته بناءً على رغبة وحاجة الاسرة لولا ان ليلة لم ينم فيها بعد ان شاهد الصور في كتاب الهجاء .. وصل الطفل على عسيري الى حل وسط مع الاسرة يتمكن بمقتضاه يدرس صباحا ويعمل في المزرعة مساءً ..

وانطلق ليدرس فيما بعد المتوسطة والثانوية والإنجليزية في معهد للغات لانه يعمل في الصباح عريف كاتب بعد ان غادر قريته ب80 ريالا وحفيظة نفوس دبرها له والده .. وانطلق بعد ذلك ليتخرج ضابطا برتبة ملازم ويترقى الى عميد ثم يستكمل المشوار، ولكن هذه المرة في وزارة الخارجية مسؤولا عن الامن الدبلوماسي ثم سفيرا للمملكة في أفغانستان ولبنان .. لحظات حرجة واحداث كثيرة كان شاهدا عليها او مشاركاً فيها او صانعا لها كانت مثار حوار ذكريات خص به البلاد:

• معالي السفير .. لنعد الى البدايات في عسير ومرحلة التعليم الابتدائي حيث كانت الاسرة ترغب في ان تتفرغ للزراعة وانت تريد التعليم وكان ان توصلتم الى صيغة توافقية تحقق الهدفين وهي: الدراسة في الصباح والعمل بالمزرعة في المساء .. حدثنا عن هذه الايام وطبيعة الحياة في عسير وصعوبات التعلم في تلك الفترة.
•• ‏عندما فتحت مدرسة بني رزام الابتدائية وهي تبعد عن قريتي بما يقارب ثلاثة كيلومترات وعلمت أن بعض أبناء القرية التحقوا بها رغم وعورة الطرق التي يسلكها الطلاب مشياً على الأقدام للوصول إلى المدرسة ‏فهي عبارة عن جبال وأودية وعندما شاهدت كتاب الهجاء وما يحتويه من صور مع أحد أبناء القرية لم أنم تلك الليلة رغبة في الذهاب إلى المدرسة وغيرةً من أبناء القرية الذين استطاعوا الالتحاق بالمدرسة وخوفاً من الحرمان لمعارضة أهلي بسبب حاجتهم الماسة إلى خدماتي في مزارعنا التي كانت مصدر قوتنا لذا فكرت في أن أذهب إلى المدرسة خفية عن أسرتي قبل استيقاظهم من النوم صباحا وفعلا ذهبت وسجلت اسمي واستلمت الكتب وعدت إلى المنزل وإذا بأسرتي غاضبة وبين البكاء والعناد ‏استطعت أن أصل معهم لحل وسط وهو أن أذهب صباحا إلى المدرسة وأعود ظهرا وأعمل في المزرعة.

لا مجال للمقارنة
• الحياة في تلك الفترة كانت تنعكس سلبا على التعليم .. فأنت على سبيل المثال كنت تذهب الى مدرسة على بعد ثلاثة كيلومترات عن مقر اقامتك .. كيف تقارن بين التعليم في تلك الفترة والمتاح للطلبة الآن ؟
•• أما بالنسبة للتعليم فقد كان ‏تقليدياً وصارماً وذا منفعة وكان للمدرس هيبة لا تقل عن هيبة الوالدين وكنا ندرس في بيوت مبنية من الطين ولا تتوفر الكهرباء لا في المدرسة فحسب بل في المنطقة بأكملها فالتعليم والحياة كانت صعبة للغاية وهذا تذكير لنا جميعا أبناء وبنات هذا البلد المعطاء كيف عشنا وعاش آباؤنا وأمهاتنا وكيف نعيش اليوم في نعمة ورخاء ورغد في ظل حكمة قيادتنا الرشيدة التي تولت الحكم ‏على فترات متتابعة من الملك عبد العزيز رحمه الله إلى خادم الحرمين الملك سلمان حفظه الله وجعلت التنمية والتعليم في أولوياتها حيث أصبحت المملكة تضاهي بلدان العالم بل وتنافس الكثير منها فنحمد الله على ذلك وندعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ بلادنا وولاة أمرنا-

لدغة ثعبان
• تلك الفترة شهدت حادثا أليما هو وفاة والدتكم بلدغة ثعبان .. كيف والى اي مدى أثر ذلك على حياتك ؟
•• الفلاحة كانت مصدر قوتنا الوحيد وكان الرجال والنساء يعملون سويا فيها وفي رعاية الماشية من الأغنام والأبقار فقد ذهبت الوالدة رحمها الله واسكنها فسيح جناته بعد صلاة المغرب في ظلام الليل لجلب بعض الحيوانات من المزرعة إلى المنزل وكانت تمشي حافية القدمين ولدغها ثعبان سام وعادت أمي إلى المنزل وهي تمشي وقد انتشر السم في جسمها ولم يكن في الإمكان نقلها إلى مدينة أبها التي تبعد أكثر من 25 كيلومترا لعدم وجود مواصلات ووعورة الطرق فلم تكون الطرق معبدة ولذلك لم يتم نقلها إلى مستشفى أبها إلا بعد ثلاثة ‏أيام وتوفيت بعد وصولها المستشفى رحمها الله تعالى وكنت وقتها في الخامسة من عمري ومن هنا بدأت متاعب الحياة بدون والدة حنونة ولدي أخت أصغر مني كنت أحمل همها وزاد حزني مع مرور الأيام وكنت أذهب إلى منزل والدتي المبني من الطين وأنام عند باب ذلك المنزل المهجور متمنياً أن تطل علي والدتي وأسمع صوتها، وهنا بدأت تحديات جديدة حيث كان الوالد وأعمامي يسكنون هم وزوجاتهم وأبناؤهم في منزل واحد وكنا أنا وأختي نعيش معهم ‏ولكن نفتقد حنان ورعاية الأم.

80 ريالا وحفيظة نفوس
• بعد الابتدائية انتقلت الى الرياض وجمعت بين التعليم ووظيفة متواضعة .. ما هى الوظيفة ؟ وما ظروف الحصول عليها ؟ وكيف وفقت بين الدراسة والعمل ؟
•• استمرت المعاناة وتولت جدتي والدة والدي رحمها الله رعاية أختي فخف حمل المسؤولية علي واستطعت رغم التحديات بين فقدان الوالدة والعمل في الفلاحة والذهاب إلى المدرسة ‏أن أحصل على شهادة الابتدائية في الدور الأول وكانت الأسماء آنذاك تذاع في الراديو ففرح والدي وبقية الأسرة ومن هنا أيدوا رغبتي في مواصلة الدراسة المتوسطة إلا أن ذلك كان مستحيلا لأنه لا يوجد مدرسة متوسطة في القرى وكان المكان الوحيد الذي يتوفر فيه مدرسة متوسطة وثانوية هو مدينة أبها ولذا كان من المستحيل مواصلة دراستي في ظل صعوبة الموقف ولذلك قررت أن أبدأ الحوار مع والدي لإقناعه ‏بأن أغادر منطقة عسير إلى العاصمة الرياض رغم صغر سني وهنا بدأ التحدي الجديد انه لا يوجد لدي حفيظة النفوس التي هي مفتاح مستقبلي الوظيفي والتعليمي وبعد اقتناع والدي رغم حزنه على فراقي وخوفه علي من المصير المجهول تمكن والدي من خلال أصدقائه أن يستخرج لي حفيظة نفوس وجهزني للسفر وأعطاني 80 ريالا وغادرت قريتي ووصلت إلى الرياض وفي فترة قصيرة حصلت على وظيفة عريف كاتب بحكم إني متخرج من المرحلة الابتدائية وسجلت ليلاً في المرحلة المتوسطة ونجحت منها وسجلت في المرحلة الثانوية وإذا بتحدٍ جديد يواجهني وهو اللغة الإنجليزية فسجلت عصراً في المعهد البريطاني وكان برنامجي اليومي يبدأ بالذهاب للعمل صباحاً ثم إلى المعهد البريطاني لتعلم اللغة الإنجليزية عصراً وفي المساء اذهب إلى المدرسة الليلية لإكمال دراستي.

من الأمن إلى السياسة
• الوظيفة والدراسة قادتكا الى التعليم الامني حيث حصلت على بكالوريوس علوم قوى الامن الداخلي وتخرجت منها برتبة ملازم واستمررت في الخدمة الى ان حصلت على رتبة عميد ونقلت خدماتك الى وزارة الخارجية مسؤولا عن امن السفارات .. كيف حدث ذلك ؟ وهل ثمة علاقة بين الامن والسياسة ؟ وما علاقة ذلك ببدء تنامي ظاهرة الارهاب ؟
•• لم ينته طموحي بالبقاء في وظيفتي السابقة وسمعت انه يوجد فرصة ذهبية في وزارة الداخلية لمن يحمل مؤهلي العلمي ومرتبتي فغامرت واستقلت من وظيفتي دون اخذ حقوقي والتحقت بوظيفة بنفس المدينة في معهد الضباط التابع ‏للأمن العام وتم ضم خدماتي فأصبحت مؤهلاً للإلتحاق بدورة المرشحين الثالثة وتخرجت برتبة ملازم وكنت أتميز عن زملائي وهم 400 ضابط بإجادة اللغة الإنجليزية وبعد تخرجي وفقت بالابتعاث إلى بريطانيا لمدة سنة وبعد عودتي إلى أرض الوطن رُشحت للعمل في وزارة الخارجية مسؤولاً عن أمن سفارات المملكة في الخارج وعملت بها من عام 1402 هجري إلى 1 /7 /1421 هجري كضابط ووصلت إلى رتبة عميد وتشرفت بتعييني سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في باكستان بتاريخ 1 /7/ 1421 وكنت سعيد الحظ بنقلي إلى وزارة الخارجية فكنت أهوى السياسة منذ الصغر وتتلمذت على أيدي رموز السياسة في وزارة الخارجية وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير الحبيب سعود ‏الفيصل رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وكانت تلك المرحلة مدرسة لي لا مثيل لها.

إدارة للأمن الدبلوماسي
• ما أهم محطات مشوارك الأمني ؟
•• رغم عشقي للسياسة والعمل الدبلوماسي منذ صغر سني‏ إلا أن طبيعة عملي كمدير لإدارة الأمن الدبلوماسي وما يتطلبه ذلك من التعامل مع دول العالم إضافة إلى أهمية التعمق في مهنية عملي الجديد ومتطلباته التحقت بأكثر من 23 دورة في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بريطانيا وفي سويسرا إلى أن أجدت بمهنية عالية مهام عملي وعملت على إنشاء إدارة الأمن الدبلوماسي في وزارة الخارجية وأصبحت من أهم وأكبر الإدارات في وزارة الخارجية حالياً وتم جلب وتأهيل الكوادر الوظيفية المطلوبة للعمل في تلك الادارة وتعاملت أنا وزملائي مع ظاهرة الإرهاب التي كانت تستهدف البعثات الدبلوماسية في الخارج واستطعنا أن‏ نحصن الكثير من ممثليات المملكة في الخارج وأن ننفذ برنامجا توعويا لجميع موظفي السفارات من خلال دورات في معهد الأمير سعود الفيصل الدبلوماسي ومن خلال تعليمات يتم بعثها للممثليات لرفع درجة الحس الأمني لدى موظفي السفارات الرسميين وكنا نقوم بمتابعة كل تطور في العالم وندرس انعكاساته على أمن سفارات المملكة ‏والعاملين فيها ونرفع لسمو الوزير بكل مستجد ونعمل بتوجيهاته الكريمة رحمه الله.

تحرير السفير المختطف
• ربما كان الابرز في تلك الفترة اشرافكم على تحرير سفير المملكة المختطف في اليمن .. نود ان نتعرف منكم على تفاصيل عمليتي الاختطاف والتحرير.
•• بالنسبة لاحتجاز سفير المملكة في صنعاء الاستاذ علي القفيدي رحمه الله فبحكم أن ذلك الحدث يقع في صميم مهماتي كمدير لإدارة الأمن الدبلوماسي فقد تلقيت بلاغا من المسؤولين في السفارة بأن مسلحا يمنيا يوجد في مكتب السفير ويهدد بقتله ‏وهنا استشعرت ما يجب عمله حيث إنني سبق أن حصلت على دورة في أمريكا بكيفية مفاوضة الرهائن (hostage negotiation) وعلى الفور اتصلت بسعادة السفير على تلفونه المباشر وكأنني أحد أفراد أسرته كي يطمئن الإرهابي وأبلغته بما يجب عمله لكسب الوقت واستمررت بالاتصال بالسفير رحمه الله حتى صباح النهار التالي حيث تم التنسيق مع السلطات اليمنية لأن ذلك من واجباتهم وتم عمل خطة لإنقاذ السفير والقبض على الإرهابي وتم ذلك بنجاح ولله الحمد.

• في فبراير عام 2001 عينت سفيرا في باكستان..هل كان لخلفيتك الأمنية علاقة بهذا الاختيار؟
•• لا يستبعد أن لخلفيتي الأمنية والدبلوماسية علاقة بتعييني سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في باكستان (حيث عملت أكثر من عشرين عاما في وزارة الخارجية).

في قلب العاصفة
• كيف كانت مهمتك بعد ذلك وانت في حقول الاشواك مع تنامي ظاهرة الارهاب وظهور تنظيم القاعدة في أفغانستان؟
•• صحيح أنني كلفت لفترة بإعادة فتح سفارة المملكة في أفغانستان والتعامل مع الحكومة الأفغانية آنذاك إلى أن تم إيفاد سفير وموظفين للعمل في السفارة في كابل. وقد فوجىت مثل غيري بأحداث سبتمبر ٢٠٠١ بتفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك واختطاف طائرات والهجوم على مواقع أخرى في أمريكا وكان المتهم بذلك عددا من الشباب السعودي المغرر بهم وإن الُمخططين الرئيسيين هما كل من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وما ترتب على ذلك من الهجوم على أفغانستان حيث كان يعيش بن لادن والظواهري وغيرهم من القيادات الإرهابية في أفغانستان وأصبحت باكستان ‏بحكم قربها الجغرافي في قلب الحدث وكانت هناك هجمة إعلامية شرسة على المملكة بحكم تورط سعوديين في تلك الجريمة ولم يكن أمامي كممثل لبلدي وقيادتي إلا أن أدافع بكل ما أوتيت من علم وقدرة من خلال وسائل الإعلام لأوضح للعالم أن المملكة بريئة مما اتهمت به وأن مجموعة من الشباب المغرر بهم لا يمثلون إلا أنفسهم وأن المملكة نفسها اكتوت بنار الإرهاب في الداخل والخارج حيث تم اغتيال عدد من دبلوماسييها وتعرضت لأعمال إرهابية بالداخل وأعتقد ولله الحمد أنني وزملائي سفراء المملكة ‏في جميع الدول وفي مقدمتنا سمو الأمير القدير بندر بن سلطان حفظه الله وفقنا في تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي كانت ترددها وسائل الإعلام الغربية باتهام المملكة وبعد انتهاء تلك المعارك ألفت كتابا باللغة الإنجليزية موجها للقارئ الغربي وطبع في جامعة أكسفورد ونشر في المكتبات الغربية وكان مضمونه يوضح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام والمسلمين ويوضح جليًا جهود المملكة الموفقة في مكافحة الإرهاب.

الثعلب السعودي
• ماهي ذكرياتك عن باكستان ؟ وما هي حكاية اطلاق لقب ” الثعلب السعودي ” عليك ؟
•• حكايتي في باكستان تكاد تنحصر في أداء واجبي ليلاً ونهاراً في التواصل مع القيادات الباكستانية والعمل على رفع مستوى العلاقات في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها وقد كان لزيارات الملك عبدالله بن عبد العزيز وسمو الامير سلطان بن عبد العزيز رحمهما الله إلى باكستان الأثر الإيجابي الملموس على تعزيز علاقات البلدين وكان هناك أيضاً العديد من الزيارات التي قام بها الرئيس برويز مشرف ورئيس الوزراء شوكت عزيز إلى المملكة آنذاك للتشاور مع قيادتها وأداء مناسك العمرة اما ما ذكر بأنه أطلق علي “الثعلب السعودي” فقد يكون ذلك بسبب كثرة‏ تحركاتي بين القيادات الباكستانية للتعامل مع إفرازات أحداث سبتمبر 2001 والمرونة التي كانت تعطى لي لزيارة تلك القيادات ليلاً ونهاراً بسبب حبهم واحترامهم للمملكة وقياداتها وحرصهم على المصلحة العامة لما يخدم البلدين.

لهذا غضب مني الرئيس الباكستاني
• في عام 2009 انهيت مهمتك في باكستان بسبب هدية رفضتها من الرئيس الباكستاني إصف زرداري .. ما هى التفاصيل ؟
•• بعد تولي الرئيس آصف زرداري رئاسة جمهورية باكستان بفترة كان لدينا حفل افتتاح مبنى سفارة المملكة الجديد في الحي الدبلوماسي في باكستان وتم توجيه الدعوة لفخامته وجميع وزراء الحكومة الباكستانية والقيادات السياسية والدينية بما في ذلك المعارضة ودعني أؤكد أن المكان الوحيد الذي تجتمع فيه جميع مختلف القيادات الباكستانية بمختلف توجهاتها هو سفارة المملكة لأن الجميع يحترم قيادة المملكة ويعلمون جيدا حرصها على استقرار ورفاهية باكستان وشعبها وأثناء الحفل وأنا جالس بجوار الرئيس زرداري سألني ‏فيما ‏إذا كان لدي منزل خاص في باكستان فأجبت فخامته أنني أعتبر كل منزل في باكستان منزلي وفي النهار الثاني فوجئت وإذا بأمين العاصمة يطلب مقابلتي ويقدم لي صكاً بأرض في أفضل موقع في العاصمة إسلام أباد وبمساحة ٤٤٠٠٠ متر مربع وعلى الفور صورت الصك و‏بعثته في برقية لسمو وزير الخارجية وأبلغته بما حدث وبعد فترة تلقيت توجيها بإعادة تلك الأرض فطلبت مقابلة وزير الخارجية الباكستاني وأعدت له الصك وشكرتهم واعتذرت عن قبولها وللأسف لم يكن فخامة الرئيس زرداري سعيداً بذلك.

مدرسة جديدة
• في 2009 وبسبب “هدية الــ 44 ألف متر” انتقلت للعمل من باكستان الى بيروت سفيرا للمملكة لدى لبنان التي وصلتها في ظروف ربما تكون اشد صعوبة واكثر حساسية للمملكة .. وقد يكون ابرز حدث شخصي بالنسبة لك هو حصولك على الدكتوراه من جامعة بيروت العربية والتي اردت موضوعها عن ما يسمى بـ” ثورات الربيع العربي” وحصرتك الجامعة في بعدها الاقتصادي .. ماذا حدث ؟
•• تلقيت التوجيهات الكريمة بأن المصلحة تقتضي بأن تنقل خدماتي لتمثيل بلدي في جمهورية لبنان وعلى الفور قمت بما يتطلبه ‏البروتوكول الدبلوماسي من توديع القيادات الباكستانية وتسليم عملي إلى القائم بالأعمال ومن ثم توجهت إلى المملكة لأخذ توجيهات القيادة الكريمة في كيفية التعامل مع الأوضاع في بلد كنت اجهل كثيرا من خفايا ‏ودهاليز السياسة فيه وعمق تأثره بالجغرافيا السياسية وانتماءاته الطائفية ثم استلمت اوراق اعتمادي وباشرت عملي في بيروت وإذا بي أدخل مدرسة جديدة في علم السياسة التي تهيمن عليها الطائفية المقيتة ولم استغرق وقتا طويلا في فهم التركيبة السياسية في لبنان ودوافعها وكيفية التعامل معها من منطلق مصلحة بلدي وحرص قيادتي على أن تكون هناك ‏علاقة طيبة وشفافية في التعامل وعمل كل ما فيه خير لمصلحة البلدين.

الدكتوراه وما يسمى الربيع العربي
• في تلك الفترة كان ابرز حدث شخصي بالنسبة لك هو حصولك على الدكتوراه من جامعة بيروت العربية والتي اردت ان يكون موضوعها عن ما يسمى بـ”ثورات الربيع العربي” وحاصرتك الجامعة في بعدها الاقتصادي .. ماذا حدث ؟
•• في 2011 اندلعت الثورة السورية وغيرها في عدد من البلدان وأصبحت أجهزة الإعلام تردد ما يسمى بالربيع العربي ومن هنا بدأت اتابع تلك الأحداث ودوافعها ومن يقف وراءها وبدأت أفكر في عمل شيء باللغة الإنجليزية موجه للقارئ الغربي وكنت قبلها أرغب في ‏إنهاء دراستي وأحصل على الدكتوراه وتواصلت مع أحد المسؤولين في جامعة أكسفورد فنصحني بانه بحكم وجودي في بيروت فالأفضل أن أتواصل مع إحدى الجامعات في بيروت التي يكون منهجها باللغة الإنجليزية وتم تقديم الأوراق النظامية لجامعة بيروت العربية وباتفاق أن يشرف أحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة أكسفورد على اطروحة الدكتوراه ويحضر المناقشة وبدأت في الدراسة وجمع المراجع من لبنان ومن مصر واستمررت في تدوين نقاط البحث والذهاب إلى جامعة أكسفورد ومراجعة مشروع الأطروحة وكان هدفي التركيز على ما يسمى بالربيع العربي ‏إلا أن الجامعة ارتأت التركيز على البعد الاقتصادي الذي أصبح جوهر البحث وبعد جهد ما يقارب 3 سنوات تمت مناقشة الأطروحة من قبل أربعة اساتذة من جامعة بيروت العربية وجامعة أكسفورد واستاذين آخرين من جامعة أخرى في بيروت وبحضور ما يقارب 300 مدعو منهم رؤساء حكومات سابقين ووزراء ورجال إعلام وطلبة الدراسات العليا في الجامعة وحصلت ولله الحمد على الدكتوراه مع مرتبة الشرف.

ازمة لبنان في ايران وحزب الله
• فترة عملكم في لبنان كانت مليئة بالأحداث الكبيرة وبالتهديدات الكبيرة ايضا .. ومن بينها ما عرف بمبادرة الـ”سين سين” حيث تكبد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز مشقة السفر الى دمشق وجاء بالرئيس السوري بشار الاسد الى بيروت حيث التقيا بالرئيس اللبناني آنذاك ميشيل سليمان لتسهيل تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري وتنقية الاجواء السورية اللبنانية .. ماذا حدث لهذه المبادرة ؟ ومن وماسبب افشالها ؟
•• لا شك أنه في خلال فترة عملي في لبنان كانت لبنان تشهد الكثير من الحراك السياسي وكانت سوريا ولا زالت تؤثر على المسيرة السياسية في لبنان وتستخدم العصا والجزرة لتحقيق مآربها ولحرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز على استقرار الوضع في لبنان قام رحمه الله بزيارة إلى سوريا واصطحب الرئيس السوري بشار الأسد في زيارة قصيرة إلى لبنان في طائرته الخاصة واستقبلهم الرئيس ميشال سليمان واستضاف الرئيس سليمان خادم الحرمين ومعه الرئيس الأسد وألقت تلك الزيارة بظلالها على الكثير من الخلافات التي كان تعرقل المسيرة السياسية في لبنان وهذا ما أطلق عليه ‏مبادرة الـ”سين سين” يعني السعودية وسوريا واستمرت نتائج تلك الزيارة الإيجابية وتم تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري، ولكن للأسف لم تدوم طويلا لأن التدخل الإيراني السافر في الشؤون الداخلية اللبنانية من خلال حزب الله وحليفه الرئيس عون رئيس حزب التغيير والإصلاح سعوا لإفشال تلك المبادرة وبعدها أصبحت كل الحكومات تعاني من عدم القدرة على تحقيق ما فيه مصلحة لبنان واستقراره وحدث عدد من الاغتيالات لشخصيات سياسية مرموقة واستمر الوضع السياسي والأمني والاقتصادي في التدهور إلى أن وصل إلى ما وصل إليه اليوم من تدهور العملة اللبنانية وزاد الطين بله الانفجار الذي حدث في ميناء بيروت وجائحة فيروس كورونا وأصبح وضع الشعب اللبناني سيئا للغاية.
• في تصوركم ..هل هناك من حل لأزمة لبنان ؟ وما هو ؟ وما إمكانية تحقيقه ؟
•• لا يوجد حل ما لم يحل وضع سوريا ويحجم دور إيران في سوريا ولبنان وتجرى انتخابات نزيهة تعيد التوازن البرلماني وتفرز وجوها جديدة وتشكل حكومة جديدة موثوقا بها ويدعم المجتمع الدولي لبنان سياسيا واقتصاديا.

وداع لم يتم
• عام 2015 كادت مهمتكم في لبنان ان تنتهي .. وبالفعل استدعيتم لمقابلة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز التي حضرها الامير الراحل سعود الفيصل وقدمت خلالها ايجازا عن لبنان اعقبه رفض الملك عبدالله لنقلك الى باكستان وطلب من الامير سعود البحث عن بديل ..وبقيت في لبنان حتى 2017 .. هل من تفاصيل اخرى؟ وفي اعتقادكم لماذا اتخذ الملك عبدالله هذا القرار؟
•• تلقيت تعليمات من وزارة الخارجية السعودية بأنه علي أن أودع وأنهي عملي في لبنان لأن المصلحة تقضي بعودتي الى العمل في باكستان وبالفعل بدأت التوديع والاستعداد للمغادرة وفي آخر يومين قبل مغادرتي النهائية تم استدعائي بشكل عاجل من قبل جهات عليا في المملكة وأبلغت بأن أتوجه على الفور إلى جدة للتشرف بمقابلة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز رحمه الله فتوجهت على الفور إلى المطار وتشرفت بمقابلة مقامه الكريم في نفس الليلة وبحضور المغفور له بإذن الله الأمير سعود الفيصل ودار البحث في الكثير من الأمور المتعلقه بتطورات الوضع في لبنان وبعد الانتهاء من لقائه الكريم أمر رحمه الله بأن المصلحة تقتضي أن استمر في عملي في لبنان والبحث عن سفير آخر يذهب إلى باكستان فعدت إلى بيروت ومكثت عدة سنوات إلى أن انتهى عملي في أواخر عام 2016.

• معالي السفير ماهو نشاطكم بعد التقاعد ؟
•• المشاركة في العديد من اللقاءات التلفزيونية والقاء بعض المحاضرات واعمل حاليا على تأليف كتاب باللغة الانجليزية وامارس الرياضة بشكل منتظم واقضي اكبر وقت ممكن مع والدي الحبيب في منطقة عسير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *