أعترف ضمناً إنني والعديد من بعض أبناء جيلي، كنا ننجرف وراء المظاهر السالبة، ولاسيما فيما يتعلق في تعبيرنا عن الأفراح ..عند استقبالنا ضيفا قادما إلينا، من مكان بعيد أو قريب، فلا بد أن تكون الوليمة، بالشكل الذي يليق بمكانة ذلك الضيف، ومن كان في معيته وكلما زاد العدد زادت الاحتفالية، بالضيف ابتهاجا وسرورا .. وحتى هذه اللحظة لا أعرف مرجعية لذلك السخاء المفرط، ولا حتى عند الرجوع للإرث الاجتماعي، الذي اعتاد عليه الآباء والأجداد، فلم يكن في مقدورهم ذلك في تلك الأيام الخوالي، وذلك الزمن الأكثر بهاء وجمالا، بحكم الإمكانيات المتاحة دون إسراف أو تبذير، بما ينضوي تحت مفهوم المثل الشعبي القائل:(ما للضيف إلاّ ما يُدَبِّرْ المُعَزِّبْ)، “ما يقدمه المضيف للضيف”.
إلاّ أن الأمور تسير في مجملها ببساطة وتلقائية، تسودها المحبة الصادقة والعفوية، ورفع التكلفة مابين الطرفين، وتخلق كثيرا من التجانس الإيجابي، بدون بروتوكولات أو مواعيد مسبقة، فالقادم من المدينة المنورة إلى جدة، لظروف علاجية أو غيرها حتى وإن طالت إقامته، يجد أن هناك بيتا ينتظره، في فترة ما قبل الخدمات الفندقية والأجنحة والشقق المفروشة، والحال كذلك ينطبق على معظم مناطق ومحافظات ومدن وقرى وهجر المملكة، لكننا في الآونة الأخيرة، اختلف الوضع اختلافا كليا، حيث المواعيد المسبقة، ومحدودية ساعات الزيارة، حتى وان كانت عائلية، والحجوزات المؤكدة لرحلات الطيران والفنادق، وغيرها مما يطول الحديث بشأنها.
وقد تخرج عن العادات المألوفة والتكلفة المفرطة على الطرفين، والخوض في تفاصيل التفاصيل، والقسم والتحريم ولابد من تقديم واجب الضيافة، مهما كلف الأمر وقد يكون لدى الشخص المضيف أمر في غاية الأهمية، يضطره مُرغما للاعتذار وقد يكون واجبا وظيفيا، أو تعطيل اجتماع عمل تتوقف عليه مصالح شريحة من المجتمع، هكذا نجد أنفسنا في كثير من الأحيان وفي زحمة الظروف، محاطين بسلوكيات وعادات ما أنزل الله بها من سلطان، إنها التقاليد السلبية والمظاهر البرَّاقة، الوقتية التي تنتهي بمغادرة الضيف مكان الاحتفال به، بعد استعراض كل ما كان في الوسع عمله، ليس من باب التكريم (الصفة العربية المتأصلة) في المجتمع، وإنما من ناحية المبالغة كونه الأكثر كرما ووجاهة واستطاعة، وشعور الضيف القادم بالحرج الشديد عند مغادرته.
وبينما نعيش بشكل مختلف هذه الأيام مع عودة الجائحة، التي بدأت تتكاثر أمام هذه السلوكيات، ولاسيما في حفلات الأعراس وعقد القران، وغيرها من المظاهر التي بالإمكان تأجيلها، أو القيام بها في أضيق نطاق ممكن ومحدود العدد، لحين القضاء بتوفيق الله على مسببات هذه الجائحة، في الوقت التي تسعى الأجهزة الحكومية بتقديم ثقافة الوقاية من أضرارها الفادحة، واتقاء شرها والحذر من التزاحم بأشكاله ودواعيه المختلفة، وتوجيه الأبناء والأقرباء والأصدقاء والجيران، لأخذ الحيطة أمام جائحة تجاوزت حدود إمكانيات الدول العظمى، وتسببت في انهيار اقتصادات العالم، وحالات الاستنفار وتوقفت على إثرها الرحلات الجوية. ونحن في بلاد الحرمين الشريفين ننعم بالرعاية الكريمة، من قبل ولاة الأمر حفظهم الله، بحرصهم على سلامة الجميع مواطنين ومقيمين، كتب الله السلامة للجميع.