هناك اعتقاد وثقافة سائدة لدى البعض، تختصرها العبارة الشهيرة “القانون لا يحمي المغفلين” ، إذ تعني هذه المقولة أهمية أن يحتاط ويحذر كل فرد في معاملاته وتصرفاته من أقوال وأفعال وإلا أصبح مغفلاً وزالت عنه الحماية التي يقررها القانون فيصبح عرضة إما للمساءلة القانونية أو لضياع أمواله واستغلالها، فالحماية التي قررها القانون تحتاج غالبا إلى الحذر والدراية بالأنظمة، فلا عذر لمن يجهل القانون.
ولكن قبل أن أتحدث عن مضامين مقالي ودي أن أتناول قصة مقولة “القانون لا يحمي المغفلين” وهي قصة عالمية إذ تحمل تفاصيلها الكثير من العجب والذكاء والحنكة والمكر في نفس الوقت، وهي” أي القصة ” تدور حول رجل أمريكي كان يعاني هو وعائلته من الفقر الشديد، حيث كانت حالته تثير الشفقة من شدة الفقر ، وذات يوم خطرت على باله فكرة تنتشله من حالة الفقر التي يعاني منها وتغير حاله وتبدلها الأحسن، حيث قرر أن ينشر في الصحف الأمريكية إعلاناً بعنوانه “إن أردت أن تكون ثرياً، فأرسل فقط دولاراً واحداً على صندوق بريد رقم (….) وسوف تكون ثرياً”.
وكعادة البشر صدقوا هذه الكذبة، فبدأ الملايين من الناس بإرسال دولار واحد على صندوق بريده سعياً في الحصول على الثراء الموعود، خصوصاً أن دولاراً واحداً غير مكلف بالنسبة للشخص العادي ، ولكن مكر هذا الرجل في الحصول على الثراء من وراء دولار واحد فقط سهل العملية وجعلها تسير كما يريد فهو ليس سوى مبلغ يسير جداً.
وبعد فترة حصل الرجل على مبتغاه، فجنى الملايين من الدولارات من المرسلين، فأصبح من أكبر الأثرياء، وبعدها نشر إعلانا آخر بعد حصوله على الملايين يحمل عنوان “هكذا تصبح ثريا”، موضحاً فيه الطريقة التي اتبعها في الحصول على الملايين.
وبعد نشر الإعلان، اعترض الناس على تصرفه هذا، ورفعوا عليه قضية في المحاكم يتهمونه بالنصب والاحتيال، ولكن جاء رد المحكمة عليهم بالمقولة الشهيرة التي تنصف ذكاء الرجل صاحب هذه العقلية “القانون لا يحمي المغفلين“.
ما دعاني إلى كتابة هذه القصة هو تحذير البنوك السعودية من الانسياق خلف خدع عرض “السلع الفارهة” بأقل من قيمتها السوقية بكثير تلافياً للوقوع في فخ الاحتيال، وضرورة اعتماد استشارة المختصين في المجال حين مصادفة مثل تلك الممارسات، فقد حذرت “لجنة الإعلام والتوعية المصرفية” من السيارات والموجودات الفارهة التي يتمّ عرضها بأسعار أقل بكثير من قيمتها الحقيقية، حتى لا يقع الشخص في فخ يكون منصوباً للاحتيال عليه، وضرورة اللجوء دومًا لاستشارة خبير بمجال السلعة لتقييمها وفحصها بشكل دقيق.
لاشك أنه مع تطور التقنيات والعولمة والانفتاح الفكري والثقافي أصبحت الحياة مساحة كبيرة تجمع بين الخير والشر والصالح والطالح والنزيه والفاسد ، ومهما حاول الإنسان أن يتفادى أي شكل من أشكال النصب والاحتيال فإنه لن يتمكن إلا إذا كان يقظاً وذكيًا وحكيمًا، ورغم كل ذلك فإن حسن النية التي يتصف ويتسم بها قد تجعله يقع فريسة سهلة على أيدي العابثين والمراوغين الذين لا يخافون الله ، لذا فإن استشارة أصحاب الخبرة مطلوبة قبل اتخاذ أي قرار يتعلق بشراء السلع الفارهة انطلاقا من مقولة “ما خاب من استشار” وليس في ذلك حرج ولا عيب، وخصوصًا أن التطور الذي يشهده العالم في مجالات الحياة واكبه تطور كبير في طرق الخداع والنصب والاحتيال.
وأخيرًا.. ومن وجهة نظري المتواضعة لا أرى من وقع في فخ النصب والاحتيال أنه شخص مغفل كما ذهبت اليه المقولة المشهورة بأن “القانون لا يحمي المغفلين” بل هو شخص مسبوق بحسن النية وقوة الإيمان ومؤمن بأن حقه لن يضيع أمام الله سبحانه وتعالى ، لذا وجب الأخذ بالأسباب وهي الحذر والحيطة وعدم الاستعجال واستشارة المختصين ، والله من وراء القصد .
shahm303@hotmail.com