لم يتوقع ذلك الموظف المخلص الذي تعوّد على خدمة المراجعين بكل أريحية أن يكافأ من أحدهم باغتيابه والإساءة إليه وهو يتفانى في خدمته.
فقناعته بأن الموظف أياً كان مجند في خدمة المراجع، وما يقوم به من عمل هو جزء من واجباته التي عين من أجلها. وليس له فضل في ذلك ومن الجميل أن تُقضى حوائج الناس سريعاً ودون تأخير. لأن العمل قبل أن يكون مسؤولية فهو أمانة يتحمّلها الفرد ويحاسب عليها. وليس هناك مبرر لتأخير أية معاملة تحال إلى الموظف بحجة عدم وصول من يعقب عليها فالطبيعي أن تمضي بسلاسة لتأخذ مجراها، فتأخير أية معاملة سيشكل تراكماً لأعمال يفترض إنجازها أولاً بأول.
هذا الموظف الحيوي الذي عرفه المجتمع بالخلق الكريم والبسمة الدائمة والسعي الجاد لخدمة الجميع بكل سرور كسب ثقة رؤسائه واحترام زملائه ومحبة مواطنيه وأصبح معروفاً في إدارته بهذه الصفات النبيلة والتصرفات الجميلة. تزيد سعادته كلما قدم خدمة لأحد يعرفه أو لا يعرفه يقابل معها بالدعاء له والثناء عليه. ويزيد حرصه على الإنجاز مكتبياً وميدانياً لأن طبيعة عمله تستدعي ذلك. ويكون مرتاحا كثيراً عندما ينجز أعماله على أكمل وجه، حيث لا يهدأ له بال حتى يحقق النجاح ويزيد سروره عندما يخرج المراجعون من عنده وهم مسرورون. فذلك يعده من المكاسب الشخصية والعملية والاجتماعية.
يقول هذا الموظف مرّ علي ذات يوم مراجع كبير في السن يحمل بعض الأوراق فلما رأيته قمت بالسلام عليه وعرّفته بنفسي فهو من أهل قريتي – فأنا أعرفه ولكنه لا يعرفني لفارق السن- وأجلسته محتفياً به إمعانا في إكرامه، وعندما اطلعت على موضوعه أكملت معاملته فيما يخص مكتبنا، والتي تقتضي إنهاء بعض متطلباتها من زملاء آخرين في قسم آخر وتحرّكت بنفسي دون أن أكلف أحداً من المرؤوسين لمتابعتها حرصاً على سرعة إنجازها خدمة له.
وبعد أربع دقائق تقريباً لحقني أحد الزملاء بأنه من الأفضل ترك هذا الشخص فهو غير جدير بالخدمة، ووسط دهشتي قال بأنه بمجرد خروجك من المكتب من أجله قام بالإساءة لك والنيل منك وأثبت فعلاً أنه غير جدير بالاحترام إطلاقاً .. ومثله لا يستحق سوى التهميش. قلت هذا خلقه ولكن خلقي أن أقدم له أوراقه بعد استكمالها وفعلاً عدت ليقدم معسول الكلام وللوالد السلام وسط استغراب الزملاء الذين قالوا هذا حال المنافقين وأخلاق الحاسدين والحاقدين التي تكشف ما بداخل أنفسهم المشوهة.
قلت لهم مثل هذا الشخص المريض حالة نادرة، ويجب ألّا يؤثر سوء خلقهم في جميل أفعالنا وإن صادفكم مثل هذه النوعية من البشر فاعلموا بأنها لا تمثل المجتمع الشريف النظيف.