متابعات

معرض عمارة الحرمين توثيق يحكي قصة الزمان والمكان

مكة المكرمة – عبدالهادي المالكي – تصوير المحرر

يشهد العالم، أن العناية بالحرمين الشريفين كانت، وما تزال وستبقى، بمشيئة الله، من صميم رسالة ملوك المملكة العربية السعودية، منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، رحمه الله، وقد حظيت المقدسات الإسلامية في بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة بمكة المكرمة، التي كرمها الله تعالى؛ إذ جعل بيته الحرام فيها، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، التي هي من أحب البقاع إلى الله، باهتمامات ملوك المملكة، وامتد هذا الاهتمام ببيوت الله داخل البلاد وخارجها، والحرص على تشييدها وتوسعتها وصيانتها وإعمارها وتهيئتها للعبادة. وهذه حقيقة ناصعة للجميع.

وفي هذا السياق، يعد معرض عمارة الحرمين الشريفين، أحد أهم المعالم في مكة المكرمة، ومزارًا لضيوف الرحمن من الحجاج والعمّار والزوار يطلعون فيه على تاريخ الحرمين الشريفين عبر العصور، ويقع المعرض في حي أم الجود بجوار مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة، وأقيم على مساحة إجمالية قدرها 1200 متر مربع ، وقد روعي في تصميمه الخارجي التناسق مع النمط الإسلامي الفريد والطراز المميز لعمارة المسجد الحرام.
ويشهد المعرض إقبالًا كبيرًا من قبل ضيوف الحرمين الشريفين من أجل التقاط الصور التذكارية، وتوثيق المراحل التطويرية التي مر بهما الحرمان الشريفان خلال العهد السعودي الزاهر.

وحرصت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي على تأسيس منبر تاريخي ثقافي يخدم المجتمع الإسلامي على وجه الخصوص ليوسع آفاقه ومداركه المعرفية تاريخياً وثقافياً، وينقل للعالم تاريخ وحاضر هذه الحضارة الإسلامية العريقة، وقامت بإنشاء معرض متكامل يختص بعرض مراحل عمارة الحرمين الشريفين؛ ليعد أحد متاحف ومعارض منطقة مكة المكرمة.


محتويات المعرض
ويُعنى معرض عمارة الحرمين الشريفين بشكل خاص بالحرمين الشريفين، والتطور الذي شهدته عمارتهما على مدى العصور، ويتكون المعرض من سبع قاعات؛ تشتمل على مجسمين للحرمين الشريفين وعدد من المقتنيات المختلفة من مخطوطات ونقوش كتابية وقطع أثرية ثمينة ومجسمات معمارية وصور فوتوغرافية نادرة.
ومن أهم مقتنيات المعرض عمود من أعمدة الكعبة المشرفة الخشبية، يعود تاريخه لعام 65هـ ، وميزاب الكعبة المشرفة الذي يعود تاريخه لعام 1021هـ، وسلّم الكعبة المشرفة الخشبي الذي يعود تاريخه لعام 1240هـ ، وباب الكعبة المشرفة الذي يعود تاريخه لعام 1363هـ، والكثير من المقتنيات التي تصف وتحكي تطور عمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي ، كما يحتوي المعرض على أهم الصور النادرة للحرمين الشريفين، ونسخة مصورة من المصحف الذي كُتب في عهد الخليفة الثالث .

إنجازات عمرانية
وقد حفظ التاريخ تلك الجهود والإنجازات العمرانية والخدمية التي مرت على الحرمين الشريفين؛ حيث قامت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي برسالتها حيال إبراز جهود المسلمين عبر التاريخ الإسلامي، وانطلاقا من توجيهات ولاة الأمر، وذلك فقد قام بدراسة ما تجمع من قطع ثمينة ونقوش تاريخية وعرضها لعموم الزائرين بطريقة فنية مناسبة تحت مسمى ” معرض عمارة الحرمين الشريفين ) ” للإسهام في تثقيف الجيل المسلم حول تراث وجهود الأمة الإسلامية عبر التاريخ المشرق في هذا الشأن، وقد جرى عمل الدراسات اللازمة وترميم واختيار القطع الأثرية والنقوش الكتابية من قبل فريق متخصص من الفنيين .

بعد ذلك، بدأت مئات الألوف من رواد الحرمين لا سيما في مواسم الحج والعمرة لزيارة المعرض منذ افتتاحه في 25/1/1420ه، ثم بدأ العدد في تزايد مستمر؛ حتى تجاوز أكثر من ثمانية ملايين زائر في آخر إحصائية له.
ليصبح المعرض – في ظل الرعاية التي يتلقاها من حكومتنا الرشيدة – أحد المعالم الفريدة التي يقصدها الزائرون لمكة المكرمة على كافة المستويات الرسمية والشعبية، وتعدد الوفود الشخصية والأسرية والاجتماعية ، ويتميز المعرض ببعض مقتنياته ، ذات القيمة التاريخية الفريدة لكل ما يتعلق بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، التي ليس لها مثيل إطلاقا، ليضم ما تعلق بالكعبة المشرفة ومكث في أروقة المسجد الحرام والمسجد النبوي لمئات السنين، وحظي بعناية واهتمام المسلمين على مر التاريخ.


مصنع الكسوة
أما فيما يخص كسوة الكعبة المشرفة، فقد عملت المملكة منذ تأسيسها على خدمة الحرمين الشريفين وكسوة الكعبة الشريفة؛ حيث أسست مصنعًا ضخمًا لتلك المهمة من خلال مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة، الذي تشرف عليه الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي؛ بحيث يتم تغيير الكسوة مرة كل عام.

وتنقسم مراحل تبديل ثوب الكعبة إلى: رفع الثوب القديم، ونزع المذهبات، واستبدال الثوب القديم بالجديد، وأخيرًا إسدال الكسوة. ولكسوة الكعبة المشرفة عدة أبعاد لارتفاع الكعبة المشرفة وعرضها؛ حيث إن ارتفاع الكعبة يقارب (١٤) مترًا، و(١١) مترًا تقريبًا عرض قماش الكسوة من جهة الركنين، وما يقارب (١٣) مترًا عرض قماش الكسوة من جهة باب إبراهيم، و(١٢) مترًا عرض القماش جهة الملتزم، وأخيرًا عرض قماش الكسوة من جهة الحجر الأسود تقارب (١٠) أمتار مع الأخذ بعين الاعتبار مقدار تمدد وانكماش الحرير نتيجة الظروف الجوية. يُذكر أن هناك فريقًا مختصًا من قِبَل مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة للعناية بالكسوة على مدار الساعة؛ بحيث تتم صيانتها بشكل دوري. تتوشح من الخارج بنقوش منسوجة بخيوط النسيج السوداء (بطريقة الجاكارد) كتب عليها (يا الله يا الله) (لا إله إلا الله محمد رسول الله) و(سبحان الله وبحمده) و(سبحان الله العظيم) و(يا ديان يا منان) وتتكرر هذه العبارات على قطع قماش الكسوة جميعها. ويبلغ عدد قطع حزام كسوة الكعبة المشرفة 16 قطعة، بالإضافة إلى ست قطع، و12 قنديلًا أسفل الحزام و4 صمديات توضع في أركان الكعبة، و5 قناديل (الله أكبر) أعلى الحجر الأسود، إلى جانب الستارة الخارجية لباب الكعبة المشرفة.

و تستهلك الكسوة نحو 670 كلغ من الحرير الخام، الذي صُبغ داخل المجمع باللون الأسود، و120 كلغ من أسلاك الذهب، و100 من أسلاك الفضة. ويعمل في مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة قرابة 200 صانع وإداري، وجميعهم من المواطنين المدربين والمؤهلين والمتخصصين.
أقسام المجمع هي: قسم المصبغة والنسيج الآلي وقسم النسيج اليدوي وقسم الطباعة وقسم الحزام وقسم المذهبات، وقسم خياطة وتجميع الكسوة الذي يضم أكبر ماكينة خياطة في العالم، من ناحية الطول؛ حيث يبلغ طولها 16 متراً وتعمل بنظام الحاسب الآلي. وتغيير كسوة الكعبة التي تتجاوز تكلفتها العشرين مليون ريال، شعيرة إسلامية، اتباعًا لما قام به الرسول، صلى الله عليه وسلم، وصحابته من بعده، وكانت نفقاتها من بيت مال المسلمين آنذاك، وقد أمر الملك عبد العزيز بإنشاء أول دار لكسوة الكعبة المشرفة بجوار المسجد الحرام في عام 1927، وكانت هذه الدار أول مؤسسة خُصصت لحياكة كسوة الكعبة المشرفة في المملكة.


الثوب الأغلى
وفي عام 1965 صُنعت أول كسوة للكعبة المشرفة المعروفة أيضًا بـ”الثوب الأغلى” بتدخل الآلات، وفي العام 1972 صدر أمر الملك فيصل بإنشاء مصنع آخر لكسوة الكعبة، الذي بدأ العمل بعد 4 سنوات.
وفي عام 1995 انتقل الإشراف على مصنع كسوة الكعبة المشرفة، من وزارة الحج والأوقاف إلى الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
وأمر خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بإطلاق اسم مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة، على المصنع في عام 2016.

وقال مروان لقمان بنون، وهو من العاملين المهرة في التطريز في مصنع كسوة الكعبة: لقد دخلت الآلات في صناعة النسيج الخاصة بالكسوة إلا أن حرفة التطريز في كسوة الكعبة المشرفة لم تتأثر بالتقدم التقني؛ حيث لازال يتم عمل المطرزات في كسوة الكعبة يدويا عن طريق الشباب السعودي وبالرغم من المحاولات في تغطية العمل في التطريز بالأجهزة والآلات، إلا أنها لن تنجح 100 % في الدقة والعمل الاحترافي والعناية التي تقوم بها الأيادي. لقد تم عمل إضافات في التطريز لم تكن موجودة في السابق بزخارف تحت المرزاب وفي الكعبة.
ويستمر العمل في كسوة الكعبة على مدار العام دون توقف، فما إن ننتهي من تسليم الكسوة في 9 ذي الحجة لكبير سدنة الكعبة؛ حتى نبدأ في العمل على كسوة العام القادم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *