يظن الكثيرون أن القطاع الثقافي مجرد “عالة” اقتصادية على بقية القطاعات؛ إذ يُصنف غالبًا على أنه قطاع استهلاكي خدمي يُخصص له جزء من موارد الدولة وناتجها المحلي للإنفاق عليه وتسيير أموره، لكن هل من الممكن أن يكون القطاع الثقافي مصدرًا للدخل والربح والمساهمة في زيادة الناتج المحلي؟!
في الحقيقة تؤكد مؤشرات إحصائية عديدة أن إيرادات قطاع الثقافة تتصاعد منذ سنوات في عددٍ من دول العالم، وهذا يعني أن صناعة الثقافة حاضرة في الحراك الاقتصادي بشكل فاعل، وأنه يمكن تحقيق ازدهار كبير فيها، لاسيما لو تم توفير الاستثمارات والتسهيلات اللازمة، والمرونة المطلوبة في القوانين الخاصة بالعمل في الفعاليات الثقافية المختلفة؛ مثل نشر الكتب وصناعة السينما، وغيرها.
وبحسب دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) يساهم قطاع الاقتصاد الثقافي بنسبة (3٪) من إجمالي الناتج العالمي، ويوظِّف هذا القطاع نحو (30) مليون شخص حول العالم يعملون في مختلف المجالات الثقافية مثل: طباعة الكتب والصحف والمجلات، وصناعة السينما والمسرح والتلفزيون، والإعلانات والعروض الحية، والفنون البصرية والإبداعية، والمعارض التشكيلية، وفنون الهندسة المعمارية، والألعاب الإلكترونية وغيرها.
وتبلغ القيمة السوقية لقطاع الاقتصاد الثقافي على مستوى العالم كله نحو تريليونين ونصف التريليون دولار سنويًّا، وتستأثر أوروبا وأمريكا الشمالية وعدد من دول قارة آسيا كالصين واليابان والهند وغيرها بالاقتصاد الثقافي بكلِّ مكوِّناته، وقد أفادت بعض التقارير الاقتصادية العالمية أن قطاع الاقتصاد الثقافي يحقق أرباحًا سنوية تساهم في إجمالي الناتج المحلي الصيني بما يعادل نحو (3.5٪).
ومن المؤسف أنه بالرغم من ارتفاع عوائد اقتصاد الثقافة في كثير من دول العالم، إلا أنها ما تزال دون المستوى في الدول العربية؛ وذلك لأسباب عديدة، من أهمها أننا في عالمنا العربي لم نكن ننظر إلى قطاع الثقافة؛ باعتباره منظومة عمل يمكنها أن تحرك الاقتصاد وتدعم خطط التنمية المستدامة، بل كثيرًا ما تعاملنا مع الثقافة باعتبارها عبئًا على الاقتصاد!!
ومن المبشر أن رؤية المملكة 2030 تتعامل مع الثقافة بشكل مختلف تمامًا عن التعامل التقليدي، فلم تعد الثقافة شيئًا كماليًّا، ولا عملاً ترفيهيًّا من قبيل الترف الفكري، كما لم نعد ننظر إليها على أنها عبءٌ على الاقتصاد، بل صارت رافدًا مهمًّا من روافد زيادة الناتج المحلي الإجمالي، ومجالًا حيويًّا من المجالات الواعدة لتوفير فرص العمل في المملكة، واستثمار إمكاناتها الكثيرة التي تتمتع بها كالمواقع الأثرية والتراثية والترفيهية، ومن المنتظر أن تنطلق المملكة في صناعة السينما والمسرح والمعارض الفنية المختلفة؛ لتوفير منتج ثقافي متميز عالي القيمة والجودة الفنية، وذي عائد اقتصادي كبير.
لكن علينا أن ننتبه إلى أمر مهم وهو أن الاقتصاد الثقافي كغيره من مجالات الاستثمار ليس خاليًا من المخاطر؛ حتى في الدول المتقدمة، وهذا أمر طبيعي، فأي عمل في الحياة لابد أن تعتريه بعض المخاوف والمخاطر فلا ضمانات مطلقة لنجاح أي شيء!! وينبغي أن ندرك أن الحراك الاقتصادي في القطاع الثقافي كأي حراك اقتصادي في أي قطاع آخر يتأثر إيجاباً وسلبًا بما يحدث في العالم من متغيرات، لكن العمل والحركة في هذا القطاع الحيوي تعد حافزًا لمواصلة التنمية الاقتصادية وفق منظومة متكاملة مستدامة.
Osailanim@yahoo.com