التكنولوجيا

صحافة الروبوت هل تقضي على الصحافة الورقية والصحفيين؟

كتبت_أمنية رشاد

 

مع التطور التكنولوجي الهائل في عالم الإعلام والصحافة الالكترونية، ظهرت الكثير والعديد من المصطلحات الجديدة والتي تنبئ بتطور أكثر خطورة على مستقبل الصحافة الورقية ليس هذا فحسب، بل ربما يمتد الأمر ليؤثر على الصحفيين أنفسهم في المستقبل ويهدد مصيرهم الوظيفي والمهني.

من أبرز تلك المصطلحات هي “صحافة الروبوت  والذكاء الاصطناعي” … فما هي تلك الصحافة ومتى ظهرت؟ وهل يمكن أن تؤثر على مستقبل الصحفيين؟

 

نستعرض الإجابة على هذة الأسئلة في التقرير التالي:

يشير مصطلح “صحافة الروبوت”(Robot Journalism) إلى التقنيات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في توليد مقالات إخبارية اعتمادًا على نماذج مسبقة وبيانات ضخمة يتم تزويد البرمجيات بها، ليتم تحليلها والتعلم الآلي منها، والاستفادة منها في إنتاج أخبار ومقالات وتقارير بسرعة قياسية دون الاعتماد على العامل البشري.

كما يشير مصطلح “صحافة الذكاء الاصطناعي” (AI Journalism) إلى توظيف وسائل الإعلام تقنيات الذكاء الاصطناعي والابتكارات التي جلبتها الثورة الصناعية الرابعة، مثل تقنيات التصوير ثلاثية الأبعاد عالية الدقة، والانترنت فائق السرعة، وانترنت الأشياء، والروبوتات، لإنتاج المحتوى الإعلامي الخاص بها، وأداء مهام معينة في صناعة الخبر.

 

بداية اختراع الروبوت

اختراع الروبوت وتطوره تاريخيًا يعود اختراع الروبوت الإعلامي إلى المدرس السويدي “سفيركير جوهانسون” فمن خلال البرنامج التقني “Lsjbot” تمكن من إعادة صياغة المحتويات المكتوبة  عبر إدخال بعض البيانات، ونجح في إنتاج أكثر من 2.7 مليون نص مكتوب على موقع ويكيبيديا، وذلك عن  طريق الاعتماد على الحسابات الخوارزمية وبعض التعديلات التي تُحيل البيانات إلى قصص إخبارية في مجالات مختلفة كالرياضة والطقس والاقتصاد وغيرها.

 وأثناء  العقدين الأخيرين شهد استخدام الروبوتات اندفاعًا كبيرًا وتطورت بشكل معقد، وبحسب الشركة المصنعة لأول روبوت صحافي “Narrative Science” فإن العمل يجري لتطوير الروبوت لمنافسة العنصر البشري ليس في جمع المعلومات والبيانات فقط وصياغتها بطريقة السرد الإخباري وإنما إنتاج قصصٍ  أكثر تعاطفًا وتقارير اقتصادية تتجاوز العشرين صفحة .

 وتطورت الروبوتات الحديثة من خلال تعزيز قدراتها البرمجية واستخدام الخوارزميات لإنتاج الأخبار من البيانات المنظمة دونما أي تدخل بشري، وهو ما عمدت إلى استخدامه وكالة الأسوشيتدبرس، وكذلك صحيفة U.S.A Today، وصحيفة “L.A. Times” فيما يُغري المشروع وسائل إعلام أخرى، خاصة في ظل تزايد الاهتمام باستخدام الخوارزميات في مجال الصحافة الذي غير نمط جمع المعلومات وتحليلها وأساليب كتابتها عن النمط الذي كان سائدًا مما يطرح أسئلة  مهمة حول المهنية والأخلاقية للعمل الإعلامي والصحفي في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها المجال التقني.

وتستطيع خوارزميات الذكاء الاصطناعي إنشاء آلاف القصص الإخبارية لموضوع محدد، بأخطاء أقل مما يقوم به الصحفيون، وتعزز البيانات الضخمة الطرق والأساليب التي يمكن من خلالها البحث عن المعلومات الصحفية وتحليلها وتوزيعها.

كيف تسهل صحافة الذكاء الاصطناعي العمل على الصحفيين؟

يمكن لبرمجيات الذكاء الاصطناعي القيام بالعديد من الأعمال التي كانت ترهق الصحفيين، مثل تحليل البيانات المالية والإحصائيات، وإنتاج تقارير سريعة عنها، على سبيل المثال تستخدم شركة الخدمات الإخبارية والمعلومات المالية العالمية “بلومبيرج” التكنولوجيا الآلية لتوليد نحو ثلث المحتوى الذي ينشره موقع بلومبيرج نيوز، وذلك باستخدام نظام خاص لمساعدة المحررين في نشر آلاف المقالات حول تقارير الأرباح، من خلال تحليل التقارير المالية فور صدورها وإنتاج قصة إخبارية فورية تتضمن أهم الحقائق والأرقام، بدقة كبيرة وسرعة متناهية،وتسعى “بلومبيرج” بذلك لتجاوز “رويترز” منافسها الأقوى في الصحافة المالية.

استخدام الصحف الأجنبية لصحافة الروبوت

نجحت صحيفة لوس أنجلوس تايمز في 12 مارس 2014 في بث تحقيق وصف بالسبق الصحفي بعد ثلاث دقائق فقط على ضرب زلزال لولاية كاليفورنيا الأمريكية، إذ قدم الروبوت الذي ابتكره الصحافي والمبرمج “كين شوينكي” قصة خبرية متكاملة عن الزلزال من خلال مصادر معلومات موثوقة، منها الهيئة الأميركية للمسح الجيولوجي والتي تُعد قوالب جاهزة تُساعد الروبوت على إنتاج الأخبار بصورتها النهائية.

وفي عام 2016 قالت صحيفة “واشنطن بوست”  إنها بدأت الاستعانة بالروبوت “هليوغراف” في كتابة تقارير قصيرة خاصة بمدونة الصحيفة بشكل أوتوماتيكي، وكشفت أن استخدامها له للمرة الأولى كان خلال دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في مدينة ريو دي جانيرو، حيث عمل الروبوت على توفير بعض المعلومات كنتائج الميداليات للمساعدات الرقمية مثل مساعد “أليكسا” التابع لشركة أمازون، وخلال عام من استخدامه استطاع الروبوت نشر 850 صورة، وساعد الصحافيين في تغطية بعض الأخبار المتعلقة بالكونغرس الأميركي وألعاب كرة القدم، عبر توفير النتائج أولًا بأول، وتشير مصادر الصحيفة إلى أنها،  أثناء انتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت عام 2012، قد نشرت فقط 15% مما  نُشر في عام 2016 باستخدام الروبوت.

وفي عام 2017، كشف  بحث لمؤسسة “رويترز” في جامعة أوكسفورد  بأميركا أن كثيرًا من الناشرين يعتمدون على القصص المنتجة من “الآلات” بشكل مثير للاهتمام، سواء في قضايا سياسية وحتى القضايا الاجتماعية. وفي عام 2018  بدأت وكالة الأنباء الصينية الرسمية الضخمة (شينخوا) ببناء نوع جديد من غرف التحرير تعتمد على تكنولوجيا المعلومات ويسير العمل بها عبر التعاون المشترك بين الإنسان والآلة، كما ستعمد إلى ضخ ملايين الدولارات على مدار خمس سنوات لمشاريع الذكاء الاصطناعي، وذلك ضمن خطة 2030 لقيادة العالم نحو التقنية وبحسب (مختبر نيمان للصحافة) قدمت الصين للجمهور منصة “العقل الإعلامي”، والتي تدمج الحوسبة السحابية، إنترنت الأشياء، الذكاء الاصطناعي وتقنيات أخرى في إنتاج الأخبار، على أن تتراوح مهام هذه المنصة الذكية بين إيجاد القصص، وجمع الأخبار، وتحريرها، وتوزيعها، وفي النهاية تحليل التغذية الراجعة حولها من قبل الجمهور.

وفي سويسرا قامت شركة تدعى “تاميديا” بكتابة 40 ألف خبر صحفي حول نتائج الانتخابات أيضًا وذلك باستخدام روبوت لتوليد النصوص يسمى “توبي” (Tobi)، وكتب “توبي” هذه المقالات خلال خمس دقائق تقريبًا، باستخدام خوارزمية خاصة سميت “شجرة القرار” والتي تضمنت نموذجًا أساسيًا لقصة إخبارية وضعها الصحفيون، حيث قام الروبوت بملء هذا النموذج بالحقائق والإحصائيات التي جمعها من خلال الانترنت.

مستقبل الصحفيين في ظل صحافة الروبوت

هل تستطيع  تخيل غرف الأخبار التي تعمل بها وقد خلت تماماً من المحررين الذين يضغطون بأناملهم على مفاتيح الكيبورد لتحل محلها أنامل حديدية مصنعة بتقنيات الذكاء الاصطناعي تنتج موضوعات صحفية متنوعة؟ يأتي هذا السؤال إنطلاقاً من تجارب غرف الأخبار الحديثة التي وظفت الروبوتات في الممارسة المهنية حتى ظهر مصطلح Robot Journalism، بشكل يجعلنا لا نستطيع التمييز بين القصة الخبرية التي أعدها الروبوت في وقت قياسي والتي أنتجها المحرر الصحفي، وهو ما يستدعي التفكير في مستقبل الأداء المهني للصحفيين وخصوصاً مع ثورة الروبوتات في العديد من دول العالم.

إذا عدنا قليلًا إلى الوراء وتحديدًا في بداية الألفية الثالثة، فقد أثار ظهور الصحف الإلكترونية الكثير من المخاوف حول مستقبل الصحافة الورقية والعاملين فيها، حيث تحتاج الصحافة الإلكترونية إلى نفقات أقل وعدد أقل من المحررين والعاملين في إخراج الصحيفة، إلا أن الواقع كان مختلفًا، فقد عززت الصحافة الإلكترونية فرص العمل، وأتاحت المجال أمام كثير من الصحفيين لامتلاك وإدارة منصات إعلامية مستقلة، وتأمين المزيد من فرص العمل.

أليكسيس أوهانيان، المؤسس المشارك لموقع (Reddit) المتخصص بالأخبار على شبكة الإنترنت يرى بأن الروبوت الصحفي بإمكانه كتابة الخبر العادي ذي  المعلومات المحددة سلفًا كأخبار الرياضة والمال والاقتصاد، بينما الأخبار الإنسانية والقصص تكون نسبة  إتقانه لها أقل كونها تحتاج إلى عمليات استكشاف وتقصي  ملحوظة يختص بها العقل البشري الذي يلتقط التفاصيل التي تهم الناس، لافتًا إلى أن الروبوت الصحفي منح الصحفيين وقتًا أوفر للتوجه نحو مهمات أخرى لا يستطيع هو القيام بها، كما أنه نبّه مؤسسات تعليم الصحافة والإعلام إلى بناء برامج أكاديمية تجمع بين التكنولوجيا والإعلام للخروج بنتائج أشمل وأكثر دقة،  إذ ستُحفز الخوارزميات الصحفيين على تطوير قدراتهم البشرية من الذكاء العاطفي والاجتماعي، والفضول، والأصالة، والتواضع، والتعاطف، والقدرة على الاستماع بشكل أفضل، وتحقيق أعلى قدر من التعاون للخروج بنتيجة أفضل دائمًا. 

 لقد باتت صحافة الروبوت واقعًا لا يمكن تجاهله، على الرغم من أنها لا تزال في طور النشوء والنمو، وإذا كانت مجالات صحافة الروبوت تقتصر حاليًا على القصص الإخبارية المتعلقة بالأحداث الرياضية والتحليلات المالية، وصحافة الخدمات، إلا أنه من المتوقع أن تتوسع آفاقها مستقبلاً لتشمل تغطية الموضوعات الإنسانية أيضًا.

وإذا كان القائمون على هذه الإنجازات يؤكدون أن استخدام الخوارزميات في العمل الصحفي لا يستهدف الاستغناء عن الصحفيين، بقدر ما يتيح لهم تقديم نشاط صحفي متميز، من خلال توفير الوقت لهم للتصدي للقضايا المهمة، إلا أنهم بالمقابل ينوهون إلى أن هذه التقنيات تحتاج إلى التدريب الكافي، والخبرات الخاصة، لذلك يتوجب على المحررين أن يطوروا مهاراتهم في استخدام التقنيات الجديدة، كما يطورون مهاراتهم في التحرير.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *