متابعات

اليابسة .. شعلة موقوتة

جدة ـــ عبدالهادي المالكي

تحولت منظومة التشجير ذات التأثيرات الصحية والجمالية في محيط بعض المنازل والشوارع بمختلف مدن المملكة من ظاهرة إيجابية إلى ممارسات عـــشوائية، يسيطر عليها عدم الدراية بطرق العناية بها والإهمال، فمن جدة إلى الرياض، وصولًا إلى الطائف ومدن المنطقة الشرقية، نجد أن الإهمال وعدم الدراية بأصول (البستنة) كثيرًا ما يؤدي لموت الأشجار كنتيجة حتمية ، إلى جانب نتائج أخرى تنعكس على الأشجار التي تتهاوي بفعل الرياح وعوامل الطقس وترتمي على الأرصفة أو الطرق، ما يترتب عليه عرقلة حركة المرور، لدرجة أن المشاة يضطرون إلى ترك الرصيف لتجاوز أغصان الأشجار والأشواك في الفروع اليابسة، التي في الوقت نفسه تشوّه المشهد الحضري للمدن وتهدد السلامة العامة في بعض الأحيان ، ناهيك عن خطورتها في الشوارع؛ حيث تحجب الرؤية عن قائدي المركبات وتتسبب في حوادث مرعبة بالإضافة الى خطورة الأشجار اليابسة التي قد تصبح (فريسة) سهلة لضعاف النفوس ليضرموا النيران فيها؛ مما ينذر بكوارث حقيقية .

(البلاد) التقت عددًا من المواطنين في كل من جدة والطائف والمنطقة الجنوبية، وقد أكدوا أن زمن عشوائية تشجير المدن والأحياء والشوارع والساحات انتهى، مطالبين بتفعيل كود تشجير المدن والشوارع حسب أحجامها ومواقعها وأرصفة المنازل والميادين والساحات والحدائق والمساجد ومواقف السيارات بمواصفات تراعي قسوة الطقس حرارةً وبرودةً، وتراعي شح المياه والمظهر العام لكل حي من أحياء كل مدينة، وتحترم حق الناس بخدمة تليق بما يقوم به الكثيرون من السكان في مختلف مناطق المملكة؛ سواء أمام بيوتهم أو تطوعًا في أماكن عامة. ويرى مواطنون أن تلك الأشجار الموجودة على جوانب عديد من المنازل بحاجة إلى تقليم وتهذيب وتجميل؛ نظراً لأنه يتم إهمالها بشكل كبير في بعض المناطق، وبعـــض الأشجار تعوق الحركة المرورية بالشوارع وتخدش المركبات فضلاً عن إعاقتها للرؤية نتيجة إهمال تقــليم الأغصان وتجميلها، وبعد أن كانت الأشجار في نطاق ملكية خاصة خرجت إلى الشارع لتحجب الرؤية والحركة به، فيجب تقليمها أو إلزام المالك بذلك، حيث ليس من حق أي مالك أن يلحق الضرر بالناس عبر الأشجار المتدلية أمام بيته.

من جهته، قال سعيد السهيمي، المهتم بشؤون البيئة، أن النخيل يعتبر من الأشجار السريعة والقابلة للاشتعال، وهو معروف عنه، حتى لو لم يكن عن طريق السعف، فالليف الموجود في جذع النخلة كاف للاشتعال وشرارة واحدة كفيلة بأن تشعل حقلا كاملا مليئا بالنخل والأشجار، التي تكون مهملة في الأحياء وداخل الأسوار، أوتكون متدلية على الشارع ، ولا يعتنى بها؛ حيث إن مثل هذه الأشجار تمثل خطورة في حال رمي أحد العابرين عُقب سيجارة مشتعل، فمثل هذا التصرف كفيل بإحراق المنزل الذي تنمو فيه النخلة والمنازل المجاورة له؛ لذا لا بد أن يتم الاهتمام بأشجار الزينة والأشجار، التي أمام المنازل، وكذلك لا ننسى الأشجار المتسلقة التي نشاهدها على السواتر والأسوار، فهي أيضا شعلة موقوتة؛ لذلك يجب الاهتمام بها، و بتقليمها وتشذيبها أولا بأول، ونحن نعلم أن النخيل يعتبر مستهلكا للمياه ويحتاج إلى رعاية أكثر، والمعروف أن النخيل موقعه هو المزرعة، وليس بجوار المنازل، لافتا إلى أن  ترك الأشجار دون رعايتها، يجعلها مصدرًا للآفات الزراعية، وتوافد الحشرات والزواحف والحيوانات وتجميع الغبار، وبالتالي تكون مكان تجمع لجميع الأوساخ؛ لذلك أرى أن الشخص الذي لا يهتم بالأشجار والحدائق عند منزله، عليه ألا يزرعها من البداية. وأضاف السهميمي بقوله: هناك بدائل لمثل هذه الأشجار مثل شجر الجلوكا والتيكوما واللبخ وغيرها من الأشجار، التي يمكن استبدالها في حدائقنا والتي لا تستهلك مياها كثيرة مثل النخيل.

تلوث بصري
المهندس حمد العنزي، قال: إن عدم الاهتمام بالناحية الجمالية للطبيعة يعتبر تشويها لها بطريقة، أو بأخرى، وجميعنا لايختلف على أهمية الطبيعة وماتفرزه تلك الأشجار الباسقة من أكسجين وسحب التلوث من خلال ثاني أكسيد الكربون، لكن وجودها بشكل عشوائي غير منظم أمر مزعج، وقد يعتبر أحد مسببات التلوث البصري ناهيكم عن احتمال كونها سببًا للحوادث ــ لاسمح الله ـــ كما في طريق أم القرى لحجبها إضاءة الشارع، وقد سبق وأن تقدمت ببلاغ لأمانة جدة حول تلك الأشجار فتم تشذيبها، كما أن الأشجار التي تنمو بطريقة عشوائية ربما تكون موقعا للآفات والزواحف ومن المفترض أنه على من يقوم بزراعة الأشجار في منزله أو حديقته أو استراحته الاهتمام بها؛ حتى لا تشوه المشهد وربما تصبح شعلة موقوتة تتسبب في حدوث الحرائق .

إهمال الأشجار
وفي السياق نفسه، أوضح كل من محمد المنتشري ، وخالد السعيد ، ومنصور العمري ، وسعيد المالكي أهمية الحفاظ على الأشجار أمام المنازل تحديدا، لاسيَّما أن وجودها ضروري للحفاظ على البيئة، لافتين إلى أن بعضهم يزرع شجرة أمام منزله، ولكن بعد فترة وجيزة يهمل العناية بها، الأمر الذي يتسبب في موتها، ومن ثم تشويه المنظر العام، مشددين على ضرورة فرض غرامات على من يتركون الأشجار دون عناية، لما يخلفونه من منظر لا يليق بالجهود الكبيرة التي تبذل من أجل المنظر الجمالي بالإضافة إلى ما قد تسببه من كارثة حقيقية في حال اندلاع حريق بها .


عرقلة السير
من جهتهما، طالب كل من عبدالعزيز شتوي، وسعيد الغامدي، بضرورة أن يلتزم كل شخص يزرع أشجاراً أمام منزله برعايتـــها بصورة كاملة؛ لما لها من أثر بيئي وصـــحي يرجوه كافة السكان، فــــلا تترك أغصانها بصورة تزعــج المشاة أو السائقين، أو أن تترك، حتى أن بعــض الأشجار المعمرة تميل بصـــورة واضحة وسط الطريق.

كما أن بعض الأشجار معرضة في أي وقت للسقوط، وهو أمر ربما يترتب عليه الكثير من المشكلات، ما يتطلب قيــام الجهات المـــعنية بتـــوعية المواطنين والمقـــيمين للاهتمام بهذه الأشجار، وعدم تركهــــا مهملة، وتوجيه النصيحة لهم وبالأخص في جانب العناية بأشجار النخـــيل من خلال الحرص على قطع سعف النخيل بصورة متواصـــلة أثناء نمو النخلة وعدم تركها.
(البلاد) تواصلت مع وزارة البيئة والمياه والزراعة والدفاع المدني فأوضحوا أن أشجار الشوارع في المدن من اختصاص أمانات المدن داخل المدن والبلديات التابعة لها، ولم تنكر تلك الجهات ما تسببه هذه الأشجار من تلوث بصري وبيئي في حال الاحتراق، لا سمح الله، عوضا عن أنه قد تتضرر العمائر وسكانها المحيطون بها .

يذكر أن أمانة جدة، سبق وأن أوقفت زراعة أشجار البزروميا في الشوارع أو قرب المنازل، للأضرار الكثيرة الصادرة منها، وتمدد جذورها وتحطيمها الأرصفة والطرق، واختراق أساسات البيوت وشبكات المياه والصرف الصحي.
وشددت الأمانة على ضرورة تقليم أشجار البزروميا؛ لأن لها الكثير من السلبيات كتشويه المنظر العام بكثرة بذورها وتمدد جذورها التي تتلف البنية التحتية. وذكرت الأمانة أنها بدأت زراعة أنواع أخرى من الشجر، مثل: البونسيانا، والطبوبيا، والكورديا، والتسبيسيا، وغيرها من الأشجار ذات الشكل الجميل، وليس لها أضرار على المنظر العام والبنية التحتية.

وأوضحت أمانة جدة أن هناك قرارا من وزارة الشؤون البلدية والقروية بمنع قطع الأشجار أو تقزيمها، لإعطاء النباتات حقها في النمو الطبيعي وانعكاسات ذلك على البيئة والمحيط والطقس. وكان الكاتب نجيب يماني قد تساءل عن مبررات ومسوغات إدارة التشجير والمتنزهات بوزارة الشؤون البلدية والقروية بإصدار قرار منع قطع الأشجار أو تقزيمها، مشيرا إلى أن القرار يعاكس بعض الأساسيات في علم البستنة، خاصة في ما يتصل بعملية التقزيم، التي تستهدف تحفيز النبات لزيادة النمو الخضري، في مواسم بعينها، وبطريقة محددة. وكتب: «إن قطع الأشجار قد يكون ضرورة ملحة أحياناً، أتمنى صادقاً لو راجعت إدارة التشجير قرارها، وأسندت الأمر لأمناء المناطق، كونهم أعلم بمناطقهم، وما تتطلبه من أساسيات تختلف من منطقة لأخرى، فالمملكة قارة بتنوعها واختلافها».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *