متابعات

التجربة تقود للهاوية

جدة ــ فاطمة عويضة – حليمة أحمد

“حين أحاط بي اليأس من كل جانب دعوت الله ان يقبض عليَّ” .. هذه الدعوة كانت بداية نهاية مشوار الشاب ” ن.ا. ” مع ادمان مخدر” الشبو ” الذي يسمى في رواية اخرى تعرفها اوساط المدمنين بــ “الكريستال” .. يقول الشاب العائد من رحلة الموت: كانت مسيرة معاناة طويلة وشاقة بدأت بعرض من احد رفاق السوء بان اجرب .. مجرد تجربة فقط واذا لم تعجبني لا اكررها .. وجربت ولم استطع التوقف .. وجدتني انزلق في نفق من كوابيس، كلما تقدمت خطوة الى ان وجدت نفسي محاصرا ولا خط يبدو للرجعة .. وقبل أن ينتهي مفعول الجرعة لا اطيق صبرا ..

جسدي كله يؤلمني ولا يصمت الالم الا بجرعة اخرى احصل عليها باية وسيلة بسبب الألم والصراخ الذي لا اعرف مصدره ..اعترف بلحظات ندم تنتظرني الا ان ضعفي امام نزواتي كان كفيلا بتبديدها بسرعة .. ارتكبت الفظائع .. بدأت بسرقة اسرتي ولما لم يعد امامي ما اسرقه كنت اعتدي عليهم وضربت يوما اعز اصدقائي ثم جلست بجواره ابكي بعد ان استوليت منه ثمن الجرعة .. لن احدثكم عن حالتي الصحية .. لم اعد اعرف هذا الشبح الذي اصبحته .. كل يوم يضيق النفق واخسر احد اهلي او اصدقائي .. وفي صحوة ضمير نادرة انهمرت دموع الندم لتحفر اخاديد في وجهي المصاب بالتيبس .. يممت بوجهي الى السماء ودعوت الله ان يخرجني من النفق وان يقبض علىّ .. وكانت بداية رحلة علاجي بعد ان ضيعت اجمل سنين عمري .. وسعدت بالعودة وان جاءت متأخرة.

رحلة مضنية
في رحلة “البلاد” لملاحقة هذا السم الخطير الذي يستهدف خصيصا شباب وشابات الوطن التقينا مع ضحية اخرى تعافت من سطوة الشبو .. تروي بحرارة ماحدث لها ومنها : كنت أتعاطى أنواعا من المخدرات أخف من مخدر الشبو من حيث الضرر وكان الإدمان بالنسبة لي هو كل شيء في حياتي، وبعد ذلك قادني الفضول لتجربة الشبو ، الذي جعلني لا أشعر بألم الضرب العنيف ولا استطيع النوم لمدة ثلاث ايام متواصلة ويمكن أكثر من ذلك أيضا فقد تغيرت ملامح وجهي وفقدت جمالي وتحولت إلى هيكل عظمي واصبحت بشعة المنظر، إلى أن أغمي علي وانتهى بى الحال في مستشفى لعلاج الإدمان تحت حراسة مشددة من قبل أهلي الذين عانوا معي كثيرا حتى أتخلص من السموم التي داهمت جسدي والحمد لله بعد رحلة مضنية مع العلاج تعافيت وعدت إلى الطريق السوي.

سموم مصنعة
وبعد حكاوي كثيرة ومماثلة كان لابد ان نتعرف على هذا الغول من اين يأتي وكيف ينفذ الى أجساد الشباب ومن يقف وراءه وفي اي ظروف وكيف نسد عليه المنافذ..

وكانت البداية مع الدكتورة فاطمة كعكي استشاري امراض نفسية بمستشفى الامل بجدة التي قالت : مخدر الشبو او الميثافيتامين او الكريستال ميث يصنف من أن المدمنين يتم علاجهم في المستشفى وسحب المواد المخدرة من أجسامهم وبعد ذلك يتم تأهيلهم نفسيا وتغيير افكارهم ليعودوا أشخاصا أسوياء في الحياة، لافتة إلى أن الشباب من ١٥ -٣٥ هم الفئة الأكثر استخداماً لهذا المخدر.

صعوبة العلاج
من جهتها أوضحت الدكتورة منى الصواف استشارية الطب النفسي خبيرة الامم المتحدة لعلاج الادمان عند النساء بأن علاج حالات الادمان على الشبو صعب ومعقد ويحتاج لوقت طويل فلذلك الوقاية من التعاطي من افضل طرق الحماية، لافتة إلى أن مخدر الشبو ليس له أي استخدامات طبية وهيئته على شكل قطع كريستال لونها ابيض مع ازرق مشع ويسبب الادمان السريع ما يؤدي الى كثير من الاضرار ومن أهمها انه يسبب الفشل كلوي ومن الممكن ان يقتل الشخص بطريقة مفاجئة لأنه يقوم بتزويد جميع العمليات الحيوية في الجسم مثل ارتفاع درجة الحرارة وزيادة نبضات القلب، ويسبب اضطرابات نفسية تصل إلى الاكتئاب والانتحار واضطرابات ذهنية تصل إلى الشك ويتهيأ له ان جميع الناس تحاول قتله ويسمع أصواتا ومع كثرة الاستخدام قد يصل إلى مرض الانفصام.

ومن سلبيات هذا المخدر أنه يجعل الإنسان يواصل السهر لمدة يوم او يومين وقد تصل الى أسبوع ما يضعف صحة الإنسان ويصيبه بالأمراض كما أن إدمان الشبو يتسبب في فرط النشاط وفقدان الشهية وجفاف الفم والحلق والجلد كما أنه يصيب الاسنان بالتسوس والاصفرار والتساقط اتساع حدقة العين، ويكون الانسان متبلدا لدرجة انه يفقد الإحساس .

تهاون وإهمال

وعن اخطر الظروف المجتمعية التي تقود للإدمان يقول الاخصائي الاجتماعي عادل ثقفان: الفقر والجريمة وكذلك التهاون والإهمال في ردع المتعاطي؛ عوامل تسهم بلا شك في زيادة نسب الاشخاص المتعاطين فكلما كان المجتمع ضابطا لأفراده متابعا لهم بتشجيع الناجح والأخذ على يد المخطئ؛ كان ذلك مانعا ورادعا ومحافظا على أفراد المجتمع ، اما التهميش الاجتماعي ونبذ الفرد فانه يولد شعورا بالوحدة ينتج عنه رغبة في البحث عن الذات لتعزيز الثقة بإيجاد بديل حتى لو كان بديلا سيئا .

وأضاف أن الأصدقاء أحد أهم الضغوط القوية التي تؤثر على الفرد وتشجعه على السلوك الإيجابي أو السلبي؛ وذلك بداعي إثبات الذات أو القوة أو حتى التجربة للاندماج في جماعة الرفقة، والضغوط التي تحيط بالفرد كالدراسة أو العمل، فيعتقد المدمن أنه يهرب من هذه الضغوط، أو لظنه أن التعاطي سيزيد لديه التركيز أو القوة أو التحمل أو النشاط، ويضيف: لابد أن نعي أن العلاج ليس سهلا، ولكن لابد منه والحزم هنا مهم جدا، والمتابعة والاهتمام تشكل حجر أساس في ثبات ونجاح العلاج وعدم العودة مرة أخرى ومنع الانتكاسة.

وأهم ما يكون في هذه المرحلة باعتقادي هي الاحتواء والمتابعة والتأهيل النفسي والسلوكي، إضافة إلى منع أسباب الانتكاس ومنها منع التواصل مع الأصدقاء القدامى والذين كانوا سبباً في إدمانه، ومنع المدمن من الذهاب للأماكن التي كان يزورها في السابق ، وألا تتوقف المتابعة للعلاج النفسي، ومنع التعرض للضغوطات النفسية، وعدم وجود الدعم يؤثر سلبيا ويترك المدمن وحيدا يصارع الإدمان.

وتختلف الأسر عن بعضها في قبولها للمدمن من عدمه، ففي أحيان كثيرة تُصدم العائلة بوجود مدمن من أفرادها وتنبذه وتتخلى عنه، وهنا يتجلى دور الاخصائي الاجتماعي في توجيه العائلة لدعم فرد من أفرادها، وأنه في أمسّ الحاجة لهم في هذه المرحلة، وأن دورهم محوري وحاسم، لا يتوقف عند البحث عن مستشفى للعلاج، بل يبقى الدعم والمتابعة والتحفيز، واشراكه في فعاليات العائلة وزياراتها ونشاطاتها، وعندما نتحدث بواقعية فإننا نعلم جيدا أن المجتمع لا ينظر للمتعافي من الإدمان كما كان ينظر له قبل علمه بأنه مدمن، وهنا يتضح دور التوعية المجتمعية ووسائل الإعلام، وإيضاح أن المتعافي في هذه المرحلة لابد أن يساعده المجتمع ككل، وأن هذه المساعدة أحد طرق العلاج وأنفعها، وأن البيئة التي لا تستنكر العلاج ولا تُشعر المتعافي بنبرة العار؛ تحيي فيه أمل العودة والاندماج والقبول من المجتمع.

وأضاف بقوله: يصُنف مخدر الشبو على أنه من أقوى المخدرات، والتي تؤثر على جميع أجهزة الجسم بلا استثناء؛ وهنا تكمن خطورته، فتنعكس على علاجه، فيصبح العلاج أصعب من أنواع المخدرات الأخرى؛ فهو يزيد حالة النشاط والحركة لأعلى مستوياتها حتى يصل إلى إنهاك كل أجهزة الجسم، ثم يتركها وقد فقدت قدراتها، وهنا نؤكد أن هذه المادة سريعة التأثير على الجسم وقد تكون الأسرع في جعل المدمن يلجأ للانتحار أو قتل غيره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *