اجتماعية مقالات الكتاب

مالم يكتبه الراوي

قبل أكثر من عقدين من الزمان، وبعد أن حصلت روايته على مراكز أولى ضمن جوائز الكتابة الأدبية، وصار اسمه ينشر في العديد من الصحف المحلية والعربية، كما صنفت روايته بغرابة المحتوى، وجمال الفكرة، وإتقان السرد القصصي، وبراعة العبارات، وأصبحت تدرّس في مناهج البحث وعلى منصات الندوات الأدبية، شعر بالفخر العظيم لنفسه، وبدأ يتلمّس أضواء الشهرة، خاصة بعد أن بلغ عدد متابعيه في برامج التواصل آنذاك ذروته، إلا أن كل ذلك لم يبعد عن هاجسه رهبة الفشل. الفشل من أن تكون هذه الرواية هي الأولى والأخيرة، فليست العبرة بمصنّف واحد ينجح ثم يختفي صاحبه بعده فينسى، من جهة أخرى فقد وضع نفسه في موقف التحدي عندما ألّف الرواية بطريقة مختلفة عمن حوله من الكتّاب، وعليه فلن يقبل بأن يقدم الأقل.

في أحد الأيام، وبينما هو جالس يحتسي قهوته مع زوجته، وكعادته عندما يفكر في أمر هام، لم يشعر بالضوضاء التي يصدرها صغاره وهم يلعبون، ولا بصوت التلفاز وهو يبث فلماً وثائقياً عن الأوبئة المنتشرة حول العالم.
في لحظة لفت انتباهه ما كان يدور من أحداث داخل ذلك الفيلم، وجلس يفكر بتركيز ثم نظر إلى زوجته وقد علت ملامحه نظرة معروفة لديها مما جعلها تبتسم ابتسامة حنونة وهي تسأله:
– ما الجديد هذه المرة…؟
– سأطرح عليك سؤالا يا حبيبة وأريدك أن تجيبيني عليه بكل صدق”، حبيبة ليس اسمها بل هي اللقب الذي أطلقه عليها منذ زواجهما ولم ينادها بغيره إلا عندما يختلفان”.
– “ردت عليه في استفهام طفولي” اللهم أجعله خير.. ما هو سؤالك..؟؟

– تخيلي..! لو أن العالم بأسره أصابه وباء ولم يجد الأطباء والباحثون له علاج، وكان لزاماً علينا البقاء في بيوتنا دون مقابلة الآخرين من حولنا لشهور وقد تصل لسنين.
– “ردت عليه في سخرية”: مؤكد هذه الأفكار من خيالك الجامح كالعادة، فكيف يمكن أن يصيب العالم في وقت واحد وباء جماعي يجعلنا نمتنع عن رؤية أهلنا وأصدقائنا وأن نذهب للسوق، أو أن تخرج انت للعمل، وأبناؤنا إلى المدرسة؟.
– ليس هذا سؤالي..
– وهل هناك سؤال أكبر صعوبة من هذا..؟

– نعم.. ألا وهو.. هل ستتحملين بقائي معك كل هذه المدة، أم ستبدئين في التعبير عن انزعاجك بما افعله، وتتضرعين إلى الله في أن يرفع عنّا الوباء حتى تتخلصي من وجودي في المنزل، وتتحرري من قيد تواجدك قربي..؟
– ” نظرت إليه بنظرة عاتبة” تتحدث وكأنك لا تعرفني.. عزيزي لا أحتاج للحجر القصري حتى أعرف شعوري تجاه ملازمتك للبيت وقتا طويلا من الزمن، فكل واحدٍ منّا يعرف الآخر قدر المعرفة، لم ندع ولم نرسم لأنفسنا تلك الصورة المثالية التي تجعلنا نصدم ببعضنا عند كشف الحقيقة، أعرف عيوبك كلها وأحببتها لأنها جزء منك.. ” ثم أكملت ممازحة” أما عن انزعاجي فلن أنتظر هذا الوباء أنا أعبر عنه دائماً عندما أشعر به تجاهك.
– ” تنهد تنهيدة مفتعلة ” لقد أرحتني إذن هذه ستكون روايتي الجديدة.
– وما عنوانها..؟
– سأخبرك بعنوانها بعد عقدين من الزمان.
للتواصل على تويتر وفيس بوك
eman yahya bajunaid

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *