اجتماعية مقالات الكتاب

زمالة ما بعد الدكتوراه «Postdoc» وتدوين المعرفة

يهدف برنامج زمالة ما بعد الدكتوراه إلى توفير الفرص للباحثين المتخرجين حديثاً الحائزين على شهادة الدكتوراه لمواصلة أبحاثهم ودراساتهم ونشرها وتشجيعهم على اتخاذ منهج مستقل في مرحلة مبكرة من حياتهم الأكاديمية إلى جانب استفادتهم من البحوث العالمية مما يسهم في توطيد معرفة الباحث.

وفي الجانب الآخر فإن الجامعة أو المؤسسة العلمية التي يلتحق بها الباحث تجني بعض ثمار هذا الجهد حيث تستفيد من أفكار وإضافات أولئك الخريجين الجدد. إن هنالك جامعات عالمية عريقة كهارفارد على سبيل المثال تتبنى برنامج هذه الزمالة الأكاديمية، كما أن هنالك العديد من حاملي درجة الدكتوراه الطامحين لمزيد من التعليم والبحث، حيث إن برنامج الزمالة البحثية يدمج التعليم العالي مع البحث العلمي مما يؤدي إلى الارتقاء بالجانب العلمي والفكري للأشخاص، لذا فقد قامت قامت بعض المؤسسات التعليمية العالمية بتخصيص وظائف بحثية لما بعد درجة الدكتوراه لإتاحة فرص البحث والكتابة والتدريس سواء في المؤسسات الأكاديمية الحكومية أو الخاصة، وعلى سبيل المثال ففي الولايات المتحدة الأمريكية فإن أكثر من نصف هؤلاء الباحثين الحاصلين على درجة الدكتوراه هم من الزائرين الدوليين. أما في الصين التي أعادت العمل بنظام التعليم بعد الدكتوراه في عام 1985م فيوجد أكثر من 30 ألف باحث لما بعد مرحلة الدكتوراه.

إن بعض الجامعات السعودية كجامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود تطبق برنامج زمالة ما بعد الدكتوراه، إلا أنه ولمزيد من الفائدة والأثر الملموس لهذه الدراسات والأبحاث فيجب ألا يكون البرنامج حكراً على المجالات العلمية والهندسية والتقنية والطبية والعلوم التطبيقية الأخرى فحسب، وإنما اندياحه لاستصحاب التخصصات الأخرى خاصة العلوم الاجتماعية والإنسانية والمعرفية الأخرى، مع أهمية تعميم التجربة على كل جامعات المملكة، بحيث يطور باحث الدكتوراه ذاته متزوداً بمعلومات متجددة وأن يسعى إلى الإبداع والابتكار وإنتاج معلومات ومعرفة جديدة تواكب وتخدم رؤية 2030.

كما أن قصر أبحاث زمالة ما بعد الدكتوراه على بعض الجامعات الحكومية وعدم إشراك الجامعات والمؤسسات العلمية الأهلية من شأنه أن يكون خصماً من النتائج المنشودة له، حيث يستحسن الاستفادة من دور القطاع الخاص والشركات التي تضم كفاءات من حملة شهادات الدكتوراه، وتبني تلك الجهات الخاصة ودعمها لتطوير قدرات وأنشطة منتسبيها البحثية المتصلة بزمالة ما بعد الدكتوراه، وذلك لبلوغ مرحلة تدوين المعرفة الجديدة حتى يتم الإسهام بقوة في رفد اقتصاد المعرفة وتطوير تلك الجهات لكفاءاتها بغية الإسهام في تحقيق رؤية 2030 الطموحة.

إن هذه الخطوة تأتي في سياق مطالبات المجتمع وبعض المسؤولين بضرورة انفتاح جامعاتنا ونزولها من أسوارها العالية لبسط مخرجاتها وأبحاثها على المجتمع ووضعها رهن خدمته واستفادته بجانب أهمية تفاعلها مع بيئتها المحيطة. وهذا ما أكد عليه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل لدى لقائه مؤخراً رئيس جامعة الطائف الدكتور يوسف عسيري حيث دعا سموه إلى ضرورة خروج الجامعات إلى ما وراء أسوارها وأن يكون لها دورها في خدمة مجتمعها.
باحثة وكاتبة سعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *