لم يطلب نبي الله موسى عليه السلام أجراً عندما ساعد بنات شعيب ليسقي الغنم، وإنما كانت مبادرة منه حينما علم بحاجتهن لذلك. كما أن الخضر عليه السلام لم يأخذ أجراً كذلك على بناء جدار اليتيمين الذي كاد أن ينقض ، فأقامه حفاظاعلى الكنز الذي تركه والدهما لهما تحته.
فهذه هي أساسيات أعمال التطوع التي تنبع من الذات الإنسانية الطيبة لخدمة الغير دون مقابل ابتغاء وجه الله تعالى وكسب ثوابه ومرضاته.
وفي الإسلام ترغيب للعمل التطوعي وتقديم الخير بشكل واضح من خلال الآيات البينات والأحاديث الشريفة. ولم تحظ أية ثقافة أجنبية بمثل ما حظي بها التطوع في الثقافة الإسلامية، تبدأ بأبسط الأمور المتمثلة في الابتسامة في وجوه الآخرين.
وهي منطلق حُسن التعامل والتعايش مروراً بإماطة الأذى عن الطريق كإحدى شعب الإيمان، وهي فعلٌ سهلٌ في أدائه كبير في قيمته، وصولاً إلى التضحية بالنفس في سبيل الله من أجل الغير! وقد شاهدنا نماذج مضيئة عبر التاريخ قدمت نفسها من أجل إنقاذ الآخرين في حوادث الحرائق والسيول والغرق ولعل الباكستاني فرمان علي خان الذي أنقذ مجموعة من الناس-الذين لا تربطهم به أدنى صلة- في سيول جدة قبل سنوات ليست بعيدة تمثل شاهدا للتضحية بالنفس من أجل المجموع تقبله الله في عداد الشهداء. والأعمال التطوعية أياً كانت تحقق الفلاح في الدنيا والآخرة..والتي دعا إليها الرب عز وجل في كتابه الكريم، لقوله تعالى (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) وقوله سبحانه ( فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم ) فالعمل الصغير الذي لا يلقي له الشخص بالاً لا يضيع عند الله لقوله عزّ من قائل ( ومن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره ) وغيرها من الآيات البينات.
كما أن رسول الهدى عليه الصلاة والسلام يحثنا على العمل الصالح وإلى فعل الخير وفي الحديث (أحب الناس إلى الله أنفعهم) وما أخبرنا به المجتبى بأن “أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أوتطرد عنه جوعاً” وقوله
“ومن فرج عن مسلم كربةً من كرب الدنيا فرج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة”
وهي دعوة صريحة لفعل الخير وكسب الأجر والمثوبة من رب العباد.
ويمتد عمل الخير إلى غير المسلم فقد عرفنا أن رسول الله كان يحسن إلى جاره اليهودي ، بل يصل الخير إلى غير الإنسان فقد أخبرنا المصطفى بأن امرأة دخلت الجنة لأنها اسقت كلباً كان يلهث من شدة العطش .
وهكذا نلاحظ الحض على المبادرة لعمل الخير الذي يتعدى نفعه إلى الغير إما بدرء مفسدة أو جلب منفعة من غير إلزام ولاإكراه سواء لإنسان أم حيوان .
فهذه المعاني السامية للعمل التطوعي تشيع التراحم والمحبة بين الناس وتعمل على تقوية الروابط بين أفراد المجتمع وتشكل مساهمة في تنمية ونهضة البلاد كما تبيّن حسن التعامل مع غير المسلمين وتظهر حقوق الحيوان التى نادى بها الإسلام قبل أن تعرضها الحضارات الأخرى من الشرق أو الغرب.