المحليات

الصناعات التقليدية موروث الأصالة والتاريخ

نجران ــ البلاد

ظلّت منطقة نجران جنوب المملكة منذ أزمنة بعيدة مركزاً للكثير من الصناعات والحِرف، وورشة عمل يدوية أصيلة صنعت من مواد طبيعتها كل ما يحتاجه الإنسان في يومياته، سواء من أدواتٍ أو أوانٍ أو جلديات أو ملبوسات أو حليّ، وحتى أصغر الاستعمالات التي تحافظ على نمط الحياة الاعتيادية.

ولعل الموقع الجغرافي لمنطقة نجران، وشهرتها التاريخية كممر للقوافل، وواحة للمسافرين، وواحدة من مراكز الصناعات في الجزيرة العربية؛ جعل لها تراكماً فريداً في الحرف اليدوية، رفعَ من جودة المصنوعات النجرانية، وصنعَ لسوق نجران الشعبي في أبا السعود –قديماً، وحتى اليوم- سمعة تصل إلى الأقاصي، وتحاكي جودة معروضاته، وجماليتها.

وتبرز من هذه الصناعات والحرف اليدوية صناعة الجلود، بوصفها واحدة من أعرق الحرف التي عرفها الإنسان في نجران، حيث توازت مع وجود المواشي والإبل والبقر التي اقتناها المواطن في المنطقة وظل يرعاها ويهتم بها، سواء في البوادي، أو في قرى مدينة نجران، بالإضافة إلى حاجة الناس الملحّة للاستفادة من الجلود في حفظ أطعمتهم وأشربتهم، واستكمال ملابسهم وأحزمة جنابيهم، وابتكار ما يُحمل فيه أطفالهم، وتُخزّن فيه حاجياتهم، وتُزيّن به منازلهم وأدواتهم، وغير من ذلك من الاستعمالات الهائلة التي تدخل في كافة تفاصيل حياتهم.

أمّا اليوم، فانقرضت بعض مصنوعات الجلود، وقلّتْ أخرى، وبقيتْ العديد منها قيد التصنيع والعرض، حيث ظلّت بسبب السياحة والمهرجانات الوطنية المهتمة بالتراث من جهة، ومن جهة أخرى لأنّ أهالي منطقة نجران ما زالوا يستخدمونها حتى اليوم، أو يقتنوها بوصفها تراثاً ديكورياً أو هدايا يقدمونها لبعضهم أو لأصدقائهم من خارج المنطقة.
وهناك محلات ما زالت تعرض المصنوعات اليدوية، مثل أحزمة الجنابي والخناجر، وكذلك “المسْبَتْ” وهو حزام من الجلد يحيط بالخصر، ويتفرع من الخلف إلى جزئين يوضعان على الكتفين، ثم يتقاطعان على الصدر، ثم يوصلان بالحزام في المقدمة، ويزين المسبت بزخارف فنية ذات ألوان متعددة.


ويوجد أيضاً ما تسمى بـ “الزّمَالَة” وهي حاوية كبيرة تستعمل لحفظ الأشياء والأدوات، و”المسْبّ” الذي يستخدم لحفظ وحمل الغذاء، ويحمل على الكتف بواسطة سير من الجلد. و”العُصمْ” وهو عبارة عن جراب من الجلد لكنه صغير الحجم، له فتحة تقفل بشريطة جلدية، ويتبعه “القطق” وهو جراب أصغر وتحفظ فيه القهوة.

كما يباع في هذا السوق “الميزب” وهو مهد من الجلد يوضع فيه الطفل الرضيع؛ لحمله على كتف أمه عبر سيرين طويلين نسبياً، ويحمي الطفل من البرد ومن الشمس.

ومن جهة أخرى، أوضح أحد الحرفيين في سوق أبا السعود بنجران، أنّه متخصص في صناعة “المشراب” وجمعها: مشاريب، وهو أداة تحفظ الماء وتجعله بارداً، وذلك لأنها تعلق في الهواء الطلق، وبعض أهالي نجران يستخدمونها حتى اليوم، بالموازاة مع استخدام “الزير” الذي يصنع من الطين لذات الاستخدام.

وقال إن صناعة “المشراب” تستغرق منه وقتاً من ساعة إلى ساعتين، بعد أن يشتري الجلد المدبوغ من بعض حرفيي الدباغة، الذين يقومون بها غالباً في منازلهم، وبعد أن ينتهي من صناعته يقوم بوضع الماء فيه مع مسحوق “القرض” ليتمدد بشكل طبيعي ويتقوى، ويصبح جاهزاً ونظيفاً تماماً بعد يوم أو يومين من تعليقه.

ولأنّ نجران منطقة من مناطق المملكة الأثرية والتراثية فقد حافظت الدولة ممثلة في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على حرفة الصناعة الجلدية، ومنتوجاتها التي تزين بها القرى التراثية والمتاحف والسوق الشعبي الذي يعج بأركان متخصصة لعرض منتجات صناعة الجلود، بالإضافة إلى قيام فرع الهيئة بالعديد من الدورات المتخصصة في مجال الصناعة الجلدية ضمن أنشطة دورات الصناعات الحرفية اليدوية التي تقيمها في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *