المحليات

الابتزاز الإلكتروني جريمة عابرة للحدود

جدة ــ ياسر بن يوسف

على الرغم من تغليظ العقوبات الخاصة بالابتزاز الالكتروني في المملكة الا أن هذا النوع من الابتزاز تتواصل وتيرته، بصورة مضطردة، مشكلا نوعا من الجرائم العابرة للحدود، وحذر مختصون اجتماعيون ونفسيون من وقوع اليافعين في سن المراهقة في فخ خفافيش الظلام الذين يتفننون في اصطياد الأبرياء وابتزازهم عبر الشبكة العنكبوتية، مؤكدين أن غياب دور الآباء والأمهات في رقابة ابنائهم يساعد هؤلاء في ممارسة نشاطهم الخفي.

ودعوا إلى ضرورة أن يكون باب الحوار مفتوحًا بين الوالدين والابناء، لسد أية ثغرات تساعد ضعاف النفوس على التغلغل في محيط الأسرة.

كما يحذر الخبراء من الاحاديث الشخصية وترك العناوين في غرف الدردشة وتبادل الصور مع غرباء، وينصح قانونيون بضرورة التحقق من الاشخاص الذين نحاورهم، حتى لايستغلوا معلوماتنا وصورنا لنشرها عبر حسابات وهمية بغية الابتزاز والحصول على المال.

ويتفق الجميع على اهمية الاحتفاظ بالتهديدات المرسلة من المبتزين لاستخدامها كدليل إدانة وان التحقيق في هذه الجرائم الناعمة يحتاج الى خبرات من نوع خاص وأن الطريق الاصح للمواجهة هو الابلاغ رسميا عبر الهاتف او تطبيق «كلنا أمن» حيث تعامل كافة البلاغات بسرية تامة.

وفي هذا السياق قال أستاذ علم التربية الدكتور نجم الدين الأنديجاني للأسف بين حين وآخر نسمع ونقرأ عن قصص الابتزاز التي يذهب ضحيتها بعض الأبرياء من الأطفال المراهقين الذين لا يترددون في الاستجابة لمطالب هؤلاء الخفافيش الذين بدورهم يتفننون في بث الثقة وبالتالي يكتسب الطرف الآخر كل الثقة ثم ينفذ أي مطالب ، فكم من قصص الابتزاز حدثت نتيجة امتلاك الطرف الآخر صورا شخصية والتهديد بنشرها في المواقع وهنا تبدا المشكلة ويدخل هؤلاء المراهقون في دوامة الخوف والقلق وقد يستجيبون لهم بتحويل مبالغ أو تنفيذ مطالبهم الخبيثة.

وشدد الدكتور الانديجاني على دور الآباء والأمهات في رقابة ابنائهم في استخدامهم للأجهزة الإلكترونية وفتح باب الحوار معهم وعدم جعلهم بعيدين عن الأجواء الأسرية لان في الواقع اكثر القصص تحدث نتيجة غياب الدور الأسري، فان وجدت الثغرات في المحيط الأسري فان إمكانية وقوع هؤلاء المراهقين ضحايا واردة في أي وقت، مع تعزيز الدور التربوي في بناء الشخصية التي تتمتع بكل الصفات الحميدة.

الحرية والمراقبة

من جانبه يقول استشاري الطب النفسي الدكتور محمد الحامد ، لم تعد الحياة في المجتمعات كما كانت في العهد السابق، فنحن الان في زمن العولمة وهيمنة التقنيات التي فرضت أمورا كثيرة في واقعنا الحالي.

وأضاف ” للأسف الكثير من القضايا الاجتماعية المرتبطة بالابتزاز تحدث نتيجة عوامل عديدة أهمها وجود ثغرات داخل المحيط الأسري، منح حرية زائدة تفتقد إلى الرقابة، عدم سؤال الابناء عن ما يفعلون على مدار اليوم عبر جوالهم، وأخيرا عدم معرفة من هم خلف الشاشة الذين يتعاملون أو يخاطبون مع الابناء”.

وشدد الحامد على ضرورة توازن الآباء بين الحرية والمراقبة في المراحل العمرية المختلفة، اذ انه في مرحلة الطفولة يستقطب الأبناء معلوماتهم وأفكارهم من البيئة المحيطة بهم من دون إدراك لمدى صحتها، فتقتصر دور المراقبة على التأكد من صحة ما يغرس في عقل الطفل، أما في المراهقة تكون المراقبة أساسا في التعامل مع الأبناء لما في البيئة المحيطة من قدرة على تشكيل سلوكياتهم، وتكون الرقابة من خلال الحوار المفتوح والتعرف إلى أصدقائهم، وبالتأكيد سيتغير الحال عندما يصبحون في مرحلة الشباب إذ تتوسع حلقة الحرية وتضيق حلقة المراقبة في هذه المرحلة اعتماداً على ما غرسه الآباء فيما سبق.

مرحلة المراهقة

أما استشارية الطب النفسي الدكتورة هويدا حسن فتقول: الثغرات داخل المحيط الأسري تخلق بيئة تفتقد لروح التفاهم والترابط الأسري ، لذا يجب على الوالدين ان يكونا اكثر قربًا من الابناء وخصوصًا في هذا العصر الذي زادت فيه المشاكل الناتجة عن استخدامات الأجهزة الذكية التي جعلت العالم قرية صغيرة، وزادت فيها المواقع التي تدعو للتعارف، وكم من المراهقين وقعوا للأسف ضحايا على أيدي من لا يخافون الله ويمارسون شتى أنواع الابتزاز.

وبينت ان مرحلة ” المراهقة ” هي مرحلة خطرة ، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بأحكام غاية في الحكمة للوقاية من خطرها قبل وقوعها ، ومن ذلك التربية على حسن الأخلاق ، وتحفيظ الابناء القرآن في أوائل اعمارهم، اذ تقوم النظرية الإسلامية في التربية على أسس أربعة، هي: ( تربية الجسم، وتربية الروح، وتربية النفس، وتربية العقل)، وهذه الأسس الأربعة تنطلق من قيم الإسلام، فالمراهق يحتاج إلى من يتفهم حالته النفسية ويراعي احتياجاته الجسدية، ولذا فهو بحاجة إلى صديق ناضج يجيب عن تساؤلاته بتفهم وعطف وصراحة، صديق يستمع إليه حتى النهاية دون مقاطعة أو سخرية أو شك، كما يحتاج إلى الأم الصديقة والأب المتفهم ، فان غاب هذا الدور فان المراهق بالتأكيد سيصبح فريسة سهلة على أيدي ضعاف النفوس.

ولتجنب الابتزاز الإلكتروني يجب عدم قبول طلب الصداقة من قبل أشخاص غير معروفين ،عدم الرد والتجاوب على أية محادثة ترد من مصدر غير معروف، تجنب مشاركة المعلومات الشخصية حتى مع الأصدقاء في فضاء الإنترنت (أصدقاء المراسلات)، رفض طلبات إقامة محادثات الفيديو مع أي شخص، ما لم تكن تربط الفرد به صلة وثيقة، عدم الانجذاب للصور الجميلة والمغرية، والتأكد من شخصية المرسل.

دور الأسرة

ويتفق الباحث الاجتماعي طلال محمد الناشري مع الرأي السابق ويقول: كثير من قصص وقوع المراهقين ضحايا حدثت نتيجة غياب دور الأسرة، ففي الواقع تمتاز فترة المراهقة بكثير من التغيرات الفيزيولوجية والنفسية والاجتماعية وفي هذه المراحلة احوج ما يكون المراهق إلى من يقف بجانبه ويستمع إلى مطالبه واحتياجاته ، وبالتالي فان غاب الدور الأسري فانه للأسف من السهل ان يقع ضحية ، فلا ننسى ان خفافيش الظلام يتفننون في غسيل المخ بعد ان يبثوا الثقة في نفوس الأبرياء.

ولفت الى ان الابتزاز الإلكتروني هو عملية تهديد وترهيب للضحية بنشر صور أو مواد فيلمية أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين، وعادة ما يتم تصيد الضحايا عن طريق البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة كالفيس بوك، تويتر، وإنستغرام وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي نظرًا لانتشارها الواسع واستخدامها الكبير من قبل جميع فئات المجتمع.

وتتزايد عمليات الابتزاز الإلكتروني في ظل تنامي عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والتسارع المشهود في أعداد برامج المحادثات المختلفة.

وأشار انه عند الوقوع ضحية لا سمح الله لابد من مصارحة الوالدين حتى يقوما بدورهما في التوجه للجهات المختصة.

وخلص الناشري إلى القول إن التقنيات انتشرت بسرعة البرق وأصبح استخدامها سهلا وخصوصًا بين أيدي المراهقين، لذا فإن الدور الأسري في مراقبة الابناء والجلوس معهم وتفهم مطالبهم يعزز من عدم وقوعهم ضحايا للابتزاز.

العقوبة المترتبة

نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية يهدف إلى الحد من وقوعها، لذلك وضعت عقوبات صارمة كما هو منصوص في المادة الثالثة بالسجن مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على 500 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل شخص يرتكب أيًا من الجرائم المعلوماتية، مثل الدخول غير المشروع لتهديد شخص أو ابتزازه؛ لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، ولو كان القيام بهذا الفعل أو الامتناع عنه مشروعًا، إضافة إلى المساس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا، أو ما في حكمها، أو التشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم، عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة.

ويتم التبليغ عن أي من جرائم التهديد بالنشر أو الابتزاز بالتقدم لأقرب مركز شرطة أو عن طريق موقع أبشر أو عن طريق تطبيق كلنا أمن، ومن ثم تتولى هيئة التحقيق والادعاء العمل في هذه الجرائم الواردة في النظام، ويمكن لها الاستعانة بهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات وفقًا لاختصاصها بتقديم الدعم والمساندة الفنية للجهات الأمنية المختصة خلال مراحل ضبط هذه الجرائم والتحقيق فيها وأثناء المحاكمة.

حقائق وأرقام عن الجرائم الإلكترونية في العالم

أظهرت دراسة أن وسائل التواصل الأجتماعي تستقطب 555 مليون مستخدم سنوياً، وأكثر من 1.5 مليون ضحية يومياً، وأكثر أنواع الجرائم هي سرقة الهويات حيث يبلغ عددها 224 مليون حالة.

كما أن مواقع التواصل الاجتماعي هي أكثر المواقع المخترقة إلكترونياً، حيث أن واحداً من كل عشرة مستخدمين يقع ضحية للجرائم الإلكترونية، وأكثر من 600 ألف حساب فيسبوك يتم اختراقه يومياً.

أما عن الأنواع الشائعة للجرائم المعلوماتية فهي 28 % استغلال الثغرات الأمنية في قواعد البيانات.28 % سرقة بيانات على الأجهزة.

33 % الجرائم من داخل الشركة، 50 % فايروسات وملفات خفية، 17 % الهجمات على شبكات الإنترنت.22 % رسائل مزيفة لسرقة الحسابات.

وبينت الدراسة أن الرجال أكثر تعرضاً للجرائم الإلكترونية بنسبة 71 % أما الإناث 63 %.

وينصح خبراء المعلوماتية بتجنب نشر أي صور شخصية أو معلومات شخصية على مواقع التواصل الإجتماعي أو أي مواقع أخرى، وذلك حتى لا تتعرض للسرقة ومن ثم الابتزاز من قبل مرتكبي الجرائم الإلكترونية.

عدم كشف كلمات المرور لأي حساب سواء كان حسابا مصرفيا أو بطاقة ائتمان أو حسابا على موقع معين بالإنترنت، كما يجب أيضاً تغييرها باستمرار لضمان عدم وقوعها في الأيدي الخاطئة.

تجنب استخدام أي برامج مجهولة المصدر، كما يجب تجنب ادخال أي “أكواد” أو كلمات مرور مجهولة تجنباً للتعرض للقرصنة وسرقة الحسابات المستخدمة.

تجنب فتح أي رسائل إلكترونية مجهولة، وذلك حتى لا يتم اختراق نظام الحاسوب لديك وسرقة كل ما عليه من معلومات شخصية وحسابات وكلمات المرور الخاصة بك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *