البلاد – عمر رأفت
تبنى مجلس الشيوخ الأمريكي قرارا يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، والتي راح ضحيتها حوالي مليون ونصف المليون على أيدى القوات العثمانية، حسب تقديرات عدة. وكان مجلس النواب الأمريكي قد وافق على قرار مماثل، رغم معارضة وزارة الخارجية الأمريكية لتلك الخطوة استنادًا إلى مخاوف بأنها سوف تزيد تعقيدًا العلاقات مع تركيا.
هذا القرار سيؤدي لزيادة التوترات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا بعد أن ردت أنقرة على هذا الأمر، حيث حذرت أن تبني هذا القرار من شأنه تعريض مستقبل العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة للخطر، بل وصفت سلوك بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي بأنه يضر بين البلدين.
وتعترف ثلاثون دولة بالإبادة الارمنية، وتقول تقديرات إن ما بين 1.2 و1.5 مليون أرمني قتلوا خلال الحرب العالمية الاولى بأيدي قوات السلطنة العثمانية.وعبر عدد من الخبراء عن رأيهم بالقرار الأمريكي، وكيف سيؤثر على العلاقات الأمريكية التركية المتأزمة حاليا بالأساس.
سلسلة توترات
وفي هذا، قال مصطفى صلاح، الباحث بالشأن التركي، إن هناك عدة مسارات محتملة تتعلق بتأثير الاعتراف الأمريكي بشأن إبادة الأرمن على تركيا، بعضها موجه للداخل والبعض الآخر في مسار أنقرة الخارجي، ولكن من المؤكد أن تبعات ذلك ستنعكس على مسار العلاقات الثنائية، وفي تقديري أن أهمية هذا الاعتراف كونه جاء بعد سلسلة من التوترات بين الجانبين على خلفية ملفات تتشابك فيها مصالحهما، سواء فيما يتعلق بالموقف من الأكراد أو بمنظومة الأسلحة الروسية (إس 400).
وأضاف لـ(البلاد) أن هذه الأزمة وإن كانت في حيثياتها مختلفة عن أزمة القس الأمريكي أندرو برونسون الذي كانت تحجتزه أنقرة من قبل، إلا أن النمط المتبع في هذا الأمر هو أن واشنطن ستفرض هذه المرة مزيدًا من العقوبات على تركيا، خاصة وأن هذا الملف لا يتعلق بالداخل الأمريكي فقط، ولكن في هذه الحالة يتعرض للسياسة الخارجية الأمريكية واستراتيجيتها في المنطقة مع تزايد الخلافات بينهما، وإن كان هذا الاعتراف في المجمل بمثابة ضغط سياسي كبير على أنقرة.
وأوضح”صلاح” أنه ورغم صدور الاعتراف إلا أنه جاء متأخرا، وذلك لاعتبارات كثيرة أهمها رغبة الإدارة الأمريكية في الحفاظ على علاقاتها مع الجانب التركي، ولكن تركيا بفعل سياساتها الأخيرة دفعت واشنطن إلى ممارسة الضغوط على أنقرة.
وقال : “اعتقد أن هذا الأمر يمثل امتدادا لسلسلة من التوترات بينهما، وفي ظني فهناك جملة من الضغوط الدولية والإقليمية على تركيا في هذا الملف الذي اعترفت به فرنسا والدول الأوروبية، وإن كان المتغير الأمريكي يمثل أكبر تلك الضغوط لما يربط الدولتين من علاقات سياسية واستراتيجية كبيرة”.
ضغوطات كبيرة
فيما قال سامح الجارحي، المتخصص في الشأن التركي والدولي، إنه بعد إقرار مجلس الشيوخ بالاعتراف بإبادة الأرمن، باتت اللعبة السياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا واضحة وظاهرة، ولكن لم تصل إلى مرحلة “عض الأصابع” لأن الطرفين غير متكافئين على الاطلاق، فالجانب الأمريكي لديه قدرات وأوراق ضغط هائلة على تركيا التي لايحتمل اقتصادها ومشاكلها الداخلية والخارجية مزيدا من التدهور.
وأضاف لـ(البلاد) أن تركيا الآن تواجه ضغوطات كبيرة، فالولايات المتحدة تنوي توقيع عقوبات عليها بالإضافة إلى الناتو، الذي هو الآخر ينوي معاقبة تركيا على بعض الأمور منها شراء صفقات السلاح من روسيا، إلى جانب الاتفاقية الأخيرة التي وقعها اردوغان مع فائز السراج، وكل تلك الأمور تفتح النيران على تركيا خلال الفترة القادمة.