حرف الدال يغري في كثير من الأحيان ويتعطش بعض الدارسين لأن يسبق أسماءهم . فكلمة الدكتور لها دلالة علمية على أن صاحبها قطع مساراً طويلا في مجال العلم وقضى عمراً للتنقيب في المكتبات بين المراجع والكتب، وعاش وقتاً صعبا وشاقاً في البحث العلمي ليصل إلى هذا المستوى المشرّف الذي لا يصل إليه في الغالب إلّا المتفوقون والجادون والمهتمون.
فحرف الدال له وقعٌ على الآذان وتأثير على النفوس يحظى صاحبه بالتقدير من الجميع كونه ممن يعطي ويثري في مجال تخصصه ويساهم في خدمة المجتمع .
وقد ارتبط هذا المسمى عندنا وفي تاريخنا بأسماء كبيرة لها خدمات جليلة وأعمال رفيعة ، ولها ثقل علمي واجتماعي وسمعة عالية .. وفي مقدمتهم على المستوى العربي عميد الأدب العربي طه حسين ومصطفى محمود وأحمد زويل من مصر وغازي القصيبي وعبد الله الغذامي من السعودية والكثير الكثير من الأسماء التي نكن لها الاحترام ، حيث لا يتسع المجال لذكرهم جميعاً ، وإنما على سبيل المثال لا الحصر . حصلوا على الدرجة العلمية بالجد والاجتهاد والسهر والسفر دون كلل أو ملل .وحقّقوا فيما بعد إبداعاً في مجالاتهم ونجاحاً في أعمالهم وإثراء في عطاءاتهم وتميزاً في مسيرتهم .وقوبلوا بالحب والترحيب ، لإدراك الجميع مدى عمق معرفتهم وصدق نهجهم وسلامة دربهم . وأصبحوا محل الإشادة والثناء لاستحقاقهم الفعلي لذلك .
ورغم هذا لم يكونوا حريصين على ذكر اللقب العلمي قبل أسمائهم بل أن بعضهم يبدي عدم الارتياح لأن يطلق عليه هذا اللقب خارج الحقول العلمية . ولم يُنقِص ذلك من مقدارهم واحترامهم أبداً بل زاد كثيراً في نفوس وقلوب وعقول الآخرين .
فالقيمة بالإنتاج والإبداع والتميّز والأخلاق ، والحرص على خدمة الأوطان والمساهمة النوعية في الارتقاء بالجانب الإنساني وما يخدم البشرية عموماً.
فعندما تمرّ أسماؤهم تشعر بأنك أمام عقول فذة كبيرة فتعرف معنى العصامية بمعناها الدقيق وتكتشف سمات العبقرية عند بعضهم . وجلّ هؤلاء لا يستهويهم اللقب لأنهم أكبر من دلالته، فمعظمهم يرى بأن درجة الدكتوراه تمثل مفتاح المعرفة النوعية وأن صاحبها في بداية طريق الإنتاج العلمي. لم يعش أحد من أولئك لنفسه بل سخّروا أنفسهم وجهودهم من أجل الجميع بأعمالهم المشرّفة وأساليبهم المشرقة .. ولو دقّقنا جوانب من شخصياتهم لوجدناها تتسم دوماً بالبساطة والتواضع ونبذ الذات وحب الخير للآخرين، وهي صفات لا تلازم المزيفين والمنتفخين بالهراء المهمومين بتضخيم الذات الذين سنتحدث عنهم في المقالة المقبلة.