اجتماعية مقالات الكتاب

حياتك لا تشبه محتوى جوالك

يستيقظ كل صباح يبدو على ملامحه أنه مفعم بالحيوية والنشاط، ملامحه تظهر أنه لا يعانى من هموم الدنيا أى شييء. إنه الصورة، فقط الصورة..

بعيداً عن أرض الواقع الإفتراضى، ونزولاً إلى أرض الواقع الذى نعيشه، نجد أن الحياة لا تتشابه مع تلك الصور التى نرسمها داخل حساباتنا وجوالتنا بإستطاعتنا التحكم بكل شيئ فى عالمنا الإفتراضى الذى صنعناه بأيدينا، لكن للقدر صناعة أخرى أشد تحكم وقوة.

لا جدوى من الإبتسامات فى الصور طالما لم نشعر بها داخل قلوبنا..

أتذكر فى السابق عندما كنت أستمع لحكايات جدتى رحمها الله، ما هو المعنى الحقيقى للسعادة والرضا والفرح، لم أنسى لمعة عيناها وهى تسرد تفاصيل إزدحام منزلها الصغير بالأقرباء والجيران والأحباب الخميس من كل إسبوع ليستمعوا إلى أنغام حفل كوكب الشرق السيدة أم كلثوم بالراديو ولا ضحكاتهم وجلوسهم معاً حتى صباح فجر اليوم التالى ولا تجمع نساء “الحي ” للجلوس معاً لتناول “قهوة العصارى” وتفقد أحوال بعضهن البعض، أو إجتماعهن لتحضير ملابس و “جهاز” العروس قبل زفافها بأيام وسط جو دافئ مليئ بزغاريد النساء ولا مكان للحقد أو الحسد أو الغيرة فيه لماذا لم نسأل أنفسنا يوم عن سر تعلقنا بالماضى؟ّ! إننا جميعاً نحنُ لكل ما هو قديم يمكن أن يذكرنا برائحة الماضى

لدرجة أننا عندما نجد مسلسلاً يحاكى الزمن الجميل نصبح شديدين الغيرة أمام كل تفاصيله، ننتقد وننتبه لكل صغيرة وكبيرة حتى لا تتشوه تلك الصورة الرائعة لذلك الزمن

لقد أصبحت قلوبنا تخفق بشدة أمام كل رجل أو امرأة مسنه، لأنهم يذكروننا بملامح وجه الجدة ويديها المجعدة ولحية الجد البيضاء.

فقدنا مع تقدمنا أنفسنا، بعدما فقدت متعة السعى وراء الأشياء، لقد أصبح كل شيئ بين أيدينا فى لحظات كنا ننتظرها كثيراً فى السابق حتى تصل مع الحمام الزاجل بدلاً من أن نجتمع إفترقنا وجمعتنا الآلة، رسالة واحدة لا تتعدى كتابتها ثوانى أصبحت هى المعنى الحقيقى للتواصل فى زمن الجوالات حتى فى الحب، ما عاد هناك بين أوراق الكتب وردة ذابلة، فالبديل للفراق بين المحبين الآن أصبح يتلخص فى زر “البلوك” الذى ينهى علاقات دامت لسنوات فى أقل من دقيقة، ترجمت مشاعرنا الحقيقية لمشاعر إلكترونية لا إحساس لها، وهناك الكثير من الحالات التى مرت على بشكل شخصى لأشخاص يعانون مشاكل فى حياتهم الزوجية بالرغم من أن الرجل يضحك ويستمتع بأوقاته خارج المنزل ويدخل المنزل رجلاً أخر مكتئب وحزين، وبين هذا وذاك هو بالأساس شخص غير سعيد، بل يرغب فى أن يثبت للجميع على الهاتف أنه سعيد، ينام الزوجين على فراش منقسم نصفين مع قلوبهم، ويستيقظون فى الصباح أشخاص سعداء على جوالاتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *